للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المفاصلة والبراءة بين المسلمين والكفار بكل أصنافهم ثابتة قبل الحوار، ولكن المراد بها هنا نوعاً خاصاً هو بمنزلة البيان الختامي للحوار الذي يتولى ويعرض فيه المحاور عن الحق, كما قال تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران: من الآية ٦٤)، ويقول تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: ١٣٧]. وبهذا يتبين أنه بعد الدعوة والبيان التام, وكشف الشبهة, وإقامة الحجة فإن المحاور يتحدد موقفه: إما الإسلام, وإما التولي، "وحينئذٍ فلابد من الحجة والإعلان والإشهاد بعد المحاورات والمفاوضات المنتهية بالتولي والإعراض: بأنَّا مسلمون, ومن سوانا ليسوا كذلك" (١). وهذا يدل على أنه لا تترك الأمور بدون توضيح وبيان.

آية الحوار بين الفهم الصحيح والفهم الفاسد:

أصرح آية في الحوار بين الأديان في القرآن هي آية آل عمران المتقدمة, وهي قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شيئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ٦٤]، وهذه الآية فهمها بعض المثقفين والكتَّاب على غير وجهها، واعتمدوا في فهمها على مجرَّد الرأي, بعيداً عن الرجوع لأقوال الصحابة والتابعين والمفسرين السابقين.

والفهم الصحيح لها هو (٢): أن في هذه الآية دعوة لأهل الكتاب - وهي شاملة لغيرهم أيضاً -إلى التوحيد الخالص, وعبادة الله تعالى وحده، فالكلمة السواء هي (شهادة أن لا اله إلا الله) ويبين ذلك قوله في الآية: {أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شيئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} وهذا يعني أنهم قبل هذه الدعوة ليسوا كذلك وهذا ما يدل عليه حالهم وواقعهم, وقوله (ألاّ تعبدوا إلا الله) تفسير لكلمة السواء فأصل (ألاّ) هو أن لا, وأن هنا تفسيرية حيث تقدمها ما يدل على معنى القول وهي (كلمة) وحينئذ تكون الجملة بعدها مفسرة لمعنى (الكلمة السواء) , وقد فهم البعض أنَّ الكلمة السواء هنا بمعنى أن حوارنا معكم لا بد له من قاعدة نقف نحن وإياكم عليها لنجاح الحوار, وهو أمر موجود فينا وفيكم قبل الحوار وهو قدر مشترك فيما بيننا وبينكم!! وهذا الفهم مناقض لمفهوم الآية التي دعت أهل الكتاب للوصول إلى نتيجة ليست موجودة عندهم وهي: {أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شيئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} كما أن اعتبار هذه الآية قدراً مشتركاً يجعل من الحوار معهم أمراً لا فائدة منه لأن التوحيد الخالص موجود فيهم حسب الفهم السابق.


(١) دعوة التقريب بين الأديان ٤/ ١٥٧٧
(٢) انظر: جامع البيان - للطبري- ٣/ ٢٩٩, تفسير القرآن الكريم - لابن كثير- ٢/ ٤٥, (كتاب الشعب) , الدر المنثور - للسيوطي- ٢/ ٢٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>