١ - لابد من مراعاة حسن التعامل والمناقشة: ليكون للدعوة قبول دون مخالفة شرعية، كالقول بإقرارهم على اعتبار دينهم والثناء عليهم بمثل ذلك باسم احترام الآخر، ولا يصح التسفيه له إذا طمع الداعية في هدا يته، فالحق وسط بين تفريط من يردد عدم الإقصائية ويقول باحترام دين الآخر، وكأن الخلاف هو في وجهات النظر لا في أصل الدين, وبين الإفراط الذي يجعل من إمكان هداية المحاور أمر في غاية الصعوبة.
ومن خلال العرض المتقدم لمنهج النبي صلى الله عليه وسلم للحوار مع أصحاب الأديان, يتبين أنَّ الأساس في الحوار هو الدعوة وإقامة الأدلة على صحة دين الإسلام, ووجوب الانقياد له ونبذ الأديان المحرفة، وبيان ما في دينهم المحرف من الباطل بلغة علمية, ومنهجية سليمة, وهذه حقيقة شرعية واضحة لمن استقرأ نصوص الكتاب والسنة, وطالع أخبار الأنبياء وعرف طبيعة رسالتهم.
المبحث الثاني: أنواع الحوار بين الأديان وأحكامها.
"الحوار بين الأديان" اسم عام يطلق على كل مخاطبة ومحاورة تتم بين طرفين أو أكثر من أهل الأديان والمؤمنين بها، فكلمة "حوار" كلمة عامة تشمل كل ما يقع عليه معنى التجاوب والتراجع والتخاطب, ولا شك أن مطلق الكلام لا يصح الحكم عليه دون معرفة خصائصه المميزة.
والحوار من المصطلحات المجملة التي تحمل معنى حقاً ومعنى باطلاً, فلا يصح الحكم عليه وهو بهذه الحالة من الإجمال والإبهام, بل لابد من الاستفصال عن المعنى المراد بدقة, ثم النظر بعد ذلك في حكمه في ضوء النص الشرعي, ومن خلال التتبع لأحوال الحوارات المتعددة بين الأديان تبيّن أنها على أنواع مختلفة، ولكل نوعٍ خصائصه المحدَّدة له والمميزة له عن غيره، مع أن جميع الأنواع يصح إطلاق اسم "الحوار بين الأديان" عليها, وعليه فلابد من توضيح نوع الحوارات المجملة ,والاستفصال عنها ومعرفة أهدافها وخصائصها قبل الخوض فيها أو الحكم عليها, وبناء على ذلك فسأذكر كل نوعٍ على حدة، وأذكر الخصائص المميزة له باختصار, ثم أُبين الحكم الشرعي على كل نوعٍ على حدة.
أولاً: حوار الدعوة:
والمقصود به في -المفهوم الإسلامي-: الحوار مع أتباع الأديان الأخرى لبيان صحة هذا الدين، وأنه ناسخ لكل الأديان السابقة، وإيضاح صحة نبوة محمد ومحاسن الإسلام العظيمة، وبيان ما هم عليه من الباطل المنحرف, وهذا الحوار مطلوب شرعا, تدل عليه كل الآيات والأحاديث الدالة على فضيلة الدعوة إلى الله وبيان الحق ورد الباطل, وهذا النوع تقدم الكلام فيه في المبحث الأول، وهو موجود تمارسه جمعيات ومراكز, وجهات متعددة وأفراد كثيرون, ولايسمى في الاصطلاح باسم الحوار بين الأديان، فهو داخل في عموم اللفظ العام دون مدلوله الاصطلاحي الخاص وشعاره المعروف.
أما الحوار التبشيري عند النصارى الذي تمارسه الكنيسة الكاثوليكية، ومجلس الكنائس العالمي وغيرها, فهو اتخاذ الحوار وسيلة للتنصير، وذريعة لتشكيك المسلمين في دينهم ونبيهم، وطريقاً مخادعاً لأخذ الشهادة والإقرار والموافقة بصحة دينهم, وأنه دين معتبر حتى بعد دخول التحريف فيه (١).
(١) انظر: الحوار مع أهل الكتاب- خالد القاسم- ص/١١٢ - ١١٧.