للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانياً: حوار التعايش وحكمه: تعريفه: المقصود بحوار التعايش هو: الحوار الذي "يهدف إلى تحسين مستوى العلاقة بين شعوب أو طوائف، وربما تكون أقليات دينيّة، ويُعنى بالقضايا المجتمعيّة كالإنماء، والاقتصاد، والسلام، وأوضاع المهجّرين، واللاجئين ونحو ذلك، ومن أمثلة هذا اللون من الحوار: (الحوار العربي الأوروبي)، و (حوار الشمال والجنوب) " (١) , وقد يسمي البعض هذا النوع (التسامح) , وهذا التعريف هو معنى التعايش بالمفهوم العام, الذي يؤخذ من دلالة الكلمة دون ارتباطات بالمفاهيم اللاحقة.

وهذا المفهوم العام لا يزيد على حسن المعاملة، والعيش بصورة ملائمة بين كافة المجتمعات مع الاختلاف الديني والفكري والثقافي, والتعايش بهذا المعنى بين اتباع الأديان المختلفة لا يرفضه الإسلام، ويدل عليه معنى البر والإحسان والقسط الوارد في مثل قوله تعالى: {َلا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة٨]. ولهذا المفهوم ثلاثة ضوابط:

أولاً: مراعاة الولاء والبراء: فلا تلازم بين الإحسان والعيش الكريم والتسامح في المعاملة وبين الموالاة للكفار, أو ترك البراءة منهم، فالولاء والبراءة أصل شرعي دلت عليه نصوص شرعية كثيرة (٢).

ثانياً: إقامة العدل: والإنصاف مع كل الناس، فالعدل أساس عظيم في نماء المجتمعات واستقرارها.

ثالثاً: التزام الحكمة في المعاملة: وهي وضع الأمر في موضعه ومقامه الصحيح الائق به, الموافق للمنهج الرباني, ولطبيعة النفس الإنسانية.

لكن هذه الكلمة (التعايش والتسامح) أخذت بعداً آخر غير المفهوم العام السابق, وذلك عندما رفعه العالم الغربي كشعار مع العرب والمسلمين بعد حرب ٦ أكتوبر (١ رمضان عام ١٩٧٣م) , وما تلاها من المقاطعة العربية في ١٧أكتوبر, بقرار من وزراء النفط العرب في الكويت, الذي يقضي بفرض الحصار النفطي على أميركا, وتخفيض مستوى الضخ حتى يتحقق الجلاء عن الأراضي العربية, وتؤمن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

فرفع الغرب هذا الشعار لتهدئة الوضع, ووقف القتال وتخفيف حدة الضغوط العربية إلى حين ترتيب أوراقه, وإعادة تنظيم أهدافه الاستراتيجية وقد تم ذلك وأصبح واضحاً للعيان, أن حوار التعايش والتسامح ما هو إلا شعار لأهداف سياسية بحتة, لا سيما بعد السيطرة الأمريكية على الخليج, ومنافذ البلاد العربية والإسلامية بعد أزمة الخليج الثانية، وأصبح الأمر أشد وضوحاً بعد الاجتياح الإسرائيلي الأخير للضفة الغربية، وعندما طرح خيار الضغط بمنع النفط عن أميركا ولو لوقت محدد, لم توافق عليه الدول العربية النفطية، لا لكونه يلحق الضرر بمصالحها, بل لكونها غيرقادرة عليه لضعف سيادتها أو زوالها عن النفط على أقل تقدير.

وعندما وقعت أحداث ١١ سبتمبر وهاجت أمريكا ورفعت شعار (الحرب على الإرهاب) , عاد العرب والمسلمين لرفع شعار التعايش والتسامح بنفس المفهوم الغربي السابق الذي رفع إبان حرب ٦ أكتوبر وتداعياتها.


(١) دعوة التقريب بين الأديان ١/ ٣٤٨.
(٢) انظر الولاء والبراء- د/محمد سعيدالقحطاني - كاملاً

<<  <  ج: ص:  >  >>