للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد أصبحت فكرة (التعايش والتسامح) دعوة فكرية تحمل في طياتها مضامين فكرية وثقافية وحضارية واجتماعية, وقد تبنى هذه الفكرة ونظر لها من الطرف الإسلامي "المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة" (ايسسكو) حيث أصدرت كتابا بعنوان "مفهوم التعايش في الإسلام" تأليف د. عباس الجراري. والتعايش والتسامح بهذا المفهوم عرفه (اليونسكو) في بيان له بأنه "احترام الآخرين وحرياتهم والاعتراف بالاختلافات بين الأفراد والقبول بها, وهو تقدير التنوع الثقافي, وهو الانفتاح على الأفكار والفلسفات الأخرى بدافع الإطلاع وعدم رفض ما هو غير معروف". وسيأتي مزيد توضيح لمفهومه إن شاء الله.

خصائصه: سبق في التعريف أن التعايش له مفهومان متغايران، أحدهما مأخوذ من المفهوم العام للكلمة, والآخر مأخوذ من شعار خاص, رفع في فترة من الفترات لأهداف سياسية ثم تطور إلى أن أصبح فكراً منظماً, تقوم على تصديره بعض المؤسسات الكبرى (اليونسكو - والايسسكو) , ثم عاد ليصبح شعاراً سياسياً للتخفيف من هيجان العالم الغربي بسبب أحداث ١١ سبتمبر بنفس المضامين الفكرية, وبناءً على هذا فلابد من تمييز خصائص النوع الأول عن النوع الثاني, ثم بيان الحكم في كل واحدة على حدة, فخصائص (حوار التعايش) بالمفهوم الأول المميز له عن غيره هو:

١ - أنه حوار لا علاقة له بالدين.

٢ - أنه يقتصر على الحوار فيما يتعلق بالمعيشة البحتة بين أهل الأديان التي تفرضها طبيعة الحياة البشرية وحاجاتها الفطرية.

٣ - أنه لا يتضمن محبةً أو ولاءً, أو اعترافاً بصحة دين الآخر أو تزكيةً له أو مدحاً, بل هو قاصر على الأمور الدنيويّة وفي حدود الحاجة.

٤ - أن لا يتضمن شيئاً من التنازل عن أمر من أمور الدين, بحجة الترغيب لهم في الدخول في الإسلام, أو اعطاء صورة حسنة عن الإسلام, أو بأي تعليل آخر.

حكمه: هذا النوع من الحوار - إذا لم يصاحبه ما يعكِّر على خصائصه السابقة أو يزيد فيها - فهو جائز لا إشكال فيه، وهو خاضع للسياسة الشرعية العملية التي يقدرها أهل الحل والعقد من أهل الخبرة والعلم والدين, وقد تفاوض رسول الله مع اليهود وعاهدهم، وصالح المشركين في الحديبية، وكذلك الصحابة الكرام تفاوضوا مع أهل الأديان المختلفة فيما يخص دنياهم ومعاشهم، ولا يزال هذا الأمر موضع اتفاق, وقد "زخر الفقه الإسلامي المؤسس على الكتاب والسنة بتراث ضخم في مجال العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين" (١).

خصائص التعايش بالمفهوم المعاصر (٢): لقد أعطي مصطلح (التعايش) بعداً آخر غير ما مضى من التوصيف, وأخذ مفهوم التعايش بعداً فكرياً جديداً وهو بهذا المعنى يندرج تحت التقارب الذي سيأتي الكلام عليه.

وحوار التعايش يكون في العادة بين الدول التي تمارس الحياة العملية بحكم الاتصال المادي بينها, ولا مجال له بين الأديان إلا من هذه الزاوية, وإنما ذكرناه في موضوع الحوار بين الأديان, لأنه يدخل في العنوان العام بسبب عمومية لفظة (الحوار) ولأن البعض يخلط بينه وبين حوار التقارب, ثم إن حوار التعايش أخذ مدلولاً آخر غير ما سبق ذكره, في الخصائص العامة ليكون بذلك فكراً جديداً له خصائصه الفكرية المختلفة عن ما سبق ذكره.

ويمكن تلخيص تلك الخصائص في النقاط التالية:


(١) دعوة التقريب بين الأديان ١/ ٣٤٨
(٢) انظر في هذا النوع: التعايش السلمي - هيوكتسكل - , دراسات في التسامح - ناجي البكري وآخرون - , تسامح الغرب مع المسلمين في العصر الحاضر - عبد اللطيف الحسين - , مفهوم التعايش في الإسلام - عباس الجراري- , المسلمون والأوربيون (نحو أسلوب أفضل للتعايش) - الخزندار-.

<<  <  ج: ص:  >  >>