هنا دليل آخر، يمنع من الاحتفال بالأعياد المحدثة، لمجرد أنها ليست مشروعة، أو لكونها مضاهية للمشروع، هو حديث بوانة، فقد روى أبو داود في سننه، في الأيمان والنذور، في ما يؤمر به من الوفاء بالنذر، عن ثابت بن الضحاك أن رجلا نذر أن يذبح إبلا ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟، قالوا: لا. قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟، قالوا: لا. قال: أوف بنذرك؛ فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم).
بحسب مفهوم هذا الأثر وحدوده، من دون حصر، فإن:
- العيد قد يكون زمانيا أو مكانيا ..
- وقد يكون قائما، أو سابقا ..
- والاحتفال به إما باتخاذه، أو بموافقة أهله بتخصيص عمل ما في ذلك العيد.
ففي الأثر نهي عن: التخصيص بالذبح ( .. عبادة) .. مكانا كان عيدا .. في السابق؛ لأنه تعظيم لذلك المكان، وموافقة لأهله.
ومنه نستنتج: أنه إذا كان العيد زمانيا، فله الحكم نفسه؛ إذ لا فرق بينهما ( .. المكاني والزماني) في المنع من الإحداث .. وإذا كان عيدا قائما، فأولى بالمنع من السابق الغابر .. وإذا منع من الموافقة، فاتخاذه أولى بالمنع. ثم إن هذا الحديث اختص بالمنع من الموافقة في الأعياد بالعبادات ( .. أن أذبح إبلاً .. )، والحديث السابق منع من العادات ( .. يلعبون فيهما .. ). وهكذا تكاملا.
فهذا الأثر يمنع من التشبه بهم في الأعياد، وهذه العلة الأخرى للمنع من الأعياد، ولو خلت من المظاهر التعبدية ( .. الصلاة، الذبح، الصدقة)، فعلة التشبه - أيضا - مانعة من إحداث عيد جديد؛ لأن هذا العيد، بالوصف السابق المقتصر على اللهو واللعب والاجتماع:
- إما أن يكون إحداثا، خاصا بالمسلمين، لم يبتدعه الكفار؛ فيدخل حينئذ في المضاهاة فيمنع.
- أو يكون ابتدعه الكافرون فيكون الفاعل له متشبها بهم، فيمنع للعلتين: المضاهاة، والتشبه.
وهكذا نجد: أن العلتين تتواردان على الأعياد المحدثة بالمنع، تارة إحداهما، وتارة كلتاهما، فإذا صاحبها الفساد بالإسراف، والتبرج والاختلاط، ونحو ذلك، انضمت إليهما علة ثالثة للمنع.
فالعيد الذي يحدثه الكفار، لا تجوز مشابهتهم فيه للحديث المشهور: (من تشبه بقوم فهو منهم)، والتشبه في الأمور الدينية منهي عنه قطعا، هذا لا جدال فيه، والعيد من جملة الأمور الدينية، ولو لم تتخللها عبادات محضة؛ فذات الاجتماع ومظاهر الفرح يلحقها بالشعائر، ولذلك منع النبي صلى الله عليه وسلم من موافقتهم في أعيادهم باللعب والفرح، وقال: (قد أبدلكما الله بخير منهما). قال ابن تيمية: "الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك، التي قال تعال عنها: {لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه}، كالقبلة، والصلاة، والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد، وبين مشاركتهم في سائر المناهج، فإن الموافقة في جميع العيد، موافقة في الكفر. والموافقة في بعض فروعه، موافقة بعض شعب الكفر. بل الأعياد من أخص ما تتميز به الشرائع". (اقتضاء الصراط المستقيم ١/ ٤٧٠)
قال الشيخ محمد بن إبراهيم في فتاواه ٣/ ١٠٦: "الأعياد كلها من باب العبادة".
وهكذا نصل إلى معرفة أحكام هذه الأعياد المحدثة: المولد، والميلاد، العيد الوطني.
فالمولد محدث في الدين؛ كونه مرتبطا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وفيه مظاهر تعبدية كالذكر، ولم يرد فيه نص، ولم يفعله الصحابة، مع تمكنهم وعدم المانع، كما أن فيه تشبه بالنصارى، فهم الذين يحتلفون بعيد ميلاد المسيح عليه السلام. هكذا تتوارد على هذا العيد أكثر من علة للمنع.
والاحتفال بعيد الميلاد الشخصي فيه التشبه، وإن خلا من المضاهاة بالاجتماع.