والعيد الوطني إن كان فيه اللعب واللهو والاجتماع على ذلك، فيكون مظهرا عاما للجميع، تتعطل الأمور كلها لأجل ذلك: فإنه بذلك يضاهي أعياد الإسلام، من حيث هذه المظاهر كلها والتعظيم، فيدخل في باب الحظر.
كما أنه يحظر لعلة أخرى هي: التشبه. فالأعياد الوطنية تقليد لم يعرفه المسلمون.
لكن إن كان مجرد تذكير كلامي بالحال قبل وبعد، وكيف كان قيام الوطن خيرا على الناس، فذلك لا يدخل في باب المضاهاة، ولا تحت أية علة من العلل السابقة، بل هو كالتذكير بالأمجاد الإسلامية. هذا وتنمية حب الوطن وخدمته، له طرق كثيرة بديلة، ليس فيها شيء من المخالفات الشرعية.
بقي التفريق بين هذه الأعياد المحدثة الممنوعة، وبين تخصيص يوم أو أيام في العام لأعمال تعم نفعها، مثل أسبوع الشجرة، أو بدء الدراسة، أو النظافة، أو المرور ونحو ذلك، فهذه لا تدخل تحت العلل المانعة عبادة، ولا تدخل تحت التشبه كذلك؛ لأن التشبه على نوعين: في العبادات، وهذا ممنوع. وفي العادات وهو على قسمين:
- تشبه بهم في خصائصهم الدنيوية، من دون أن يكون من ورائه مصلحة راجحة، فيمنع لأن من مقاصد الشريعة، مخالفة أصحاب الجحيم.
- تشبه بهم في الخصائص الدنيوية، لكن تجتنى من ورائه مصلحة راجحة، فلا مانع، ويدخل في هذا الباب كل وسائل العصر التنقية وغيرها.
فإذا عرضنا تلك الأعمال، فقد لا يكون فيها أي تشبه، وليس فيها أية مظاهر ( .. مضاهاة) للعيد الشرعي، فلا وجه للمنع منها إذن؛ لأن المقصود بها التنظيم، والاستعانة على تحقيق مصالح راجحة، ليس فيها لهو ولا لعب، ولا اجتماع على ذلك، فإن الذي يعتني بها في العادة، قطاعات ومجموعات تختص بتلك الأعمال. فهي بالمختصر لا تشبه الأعياد في شيء، سوى تكرارها كل عام، وقد لا تتكرر في الوقت نفسه. وإن تكررت فلأن المصلحة لا تتحقق إلا بذلك، كبدء الدراسة.
وقد وقفت على فتوى للشيخين: ابن باز، وعفيفي. في هذا المعنى، قالا فيها:
"أولا: العيد اسم لما يعود من الاجتماع على وجه معتاد، إما بعود السنة، أو الشهر، أو الأسبوع، أو نحو ذلك، فالعيد يجمع أمورا منها: يوم عائد، كيوم الفطر ويوم الجمعة. ومنها: الاجتماع في ذلك اليوم، ومنها: الأعمال التي يقام بها في ذلك اليوم من عبادات وعادات.
ثانيا: ما كان من ذلك مقصودا به التنسك والتقرب أو التعظيم كسبا للأجر، أو كان فيه تشبه بأهل الجاهلية، أو نحوهم من طوائف الكفار، فهو بدعة، محدثة، ممنوعة داخلة في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه البخاري ومسلم.
مثال ذلك: الاحتفال بعيد المولد، وعيد الأم، والعيد الوطني؛ لما في الأول من إحداث عبادة لم يأذن بها الله، ولما في ذلك التشبه بالنصارى ونحوهم من الكفرة، ولما في الثاني والثالث من التشبه بالكفار. وما كان المقصود منه تنظيم الأعمال مثلا، لمصلحة الأمة وضبط أمورها كأسبوع المرور، وتنظيم مواعيد الدراسة، والاجتماع بالموظفين للعمل ونحو ذلك، مما لا يفضي به إلى التقرب والعبادة والتعظيم بالأصالة، فهو من البدع العادية، التي لا يشملها قوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فو رد)، فلا حرج فيه. فيكون مشروعا". فتاوى اللجنة ٣/ ٨٨ (٩٤٠٣)
والله أعلم.
* * *