للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحدث الغنوشي عن أثر الثورة الإيرانية في الحركة ومن ذلك: (التفاعل العميق مع الثورة الإيرانية في نهاية السبعينات على نحو اختلف نوعاً ما عن تفاعل الحركات الإسلامية السلفية البحتة، فلقد بلغ الحماس هنا لهذه الثورة أوجاً لم ير مثله لدى أية حركة إسلامية أو غير إسلامية في البلاد، وكان لهذا التفاعل أثره الكبير في تجذير الفكر السياسي والحركة للجماعة في اتجاه القطيعة، مع ما قد يكون فيه من تجاوز لمقتضيات المصلحة) (١). ويقول عن الاتجاه الإسلامي إنه: (تجاوز البعد الطائفي في التعامل مع الثورة الإسلامية في إيران) (٢).

ومن أقواله عن التيار الشيعي: (وقد تعاظم شأن هذا التيار في إثر الانتصار الباهر الذي حققته الثورة الإسلامية في إيران ضد النظام البهلوي، وكان الخطاب الإيراني الثوري التعبوي الحامل أنَّات المستضعفين، وآلام القرون، وأشواق الاستشهاد، من خلال كتابات عدد من العلماء المجاهدين الرواد الذين نظروا إلى الفكر الشيعي، وحاولوا نفض غبار القرون عنه وتقديمه رؤية إسلامية عالمية وناطقاً رسميًّا وحيداً باسم الإسلام، وكتابات الشهيد الصدر والمطهري -وشريعتي على رأسها- قد أطلقت موجة عاتية من الفكر الثوري الشيعي اجتاحت عدداً كبيراً من مثقفي العالم ومثقفي السنة، وفي غمرة الحماس لانتصارات الثورة كانت أفكار هؤلاء الرواد، بل حتى التراث الشيعي قبل أن ينفض عنه الغبار، تجد صدى متعاظماً، وكانت انتصارات الثورة تقوم مقام كاسحات الثلوج أمام الفكر الشيعي تفتح في وجهه الطريق فيتقدم دون مقاومة تذكر) (٣).

ويقول مخاطباً السنة والشيعة معاً، وأنه لا أحد من الطرفين يحتكر الحقيقة!: (فهل من فَيْأة إلى الرشد تحرر العقول من فكرة احتكار الحقيقة وادعاء كل طرف لا بمجرد أنه أهدى سبيلاً (٤)، بل إن سبيل الإسلام هو سبيله ولا شيء غير ذلك، وهو نهج خاطئ علميًّا مضر سياسيًّا، ولا شك في أنه على الطرف الآخر من هذا النهج تقف الدعوة إلى تكفير الشيعة وتجاوز ما استقر عليه أهل السنة من أن الشيعة الإمامية والزيدية: هم من أهل القبلة، مع تسجيل مآخذ عليهم) (٥).

وتحدث في مراجعاته على قناة الحوار عن تركيز الحركة على البعد الاجتماعي، بدلاً عن البعد العقائدي، على خلاف السائد لدى الحركات الإسلامية في ذلك الوقت، وأنهم أخذوا عن الحركات اليسارية واستفادوا منها، وكيف أنه كان منخدعاً بفكر سيد قطب الذي تعلموا منه أن الخلافات عقدية حتى ظهرت الثورة الخمينية، فتعلموا منها أن الصراعات بين الأمم أغلبها ليس عقديًّا وتأثروا بها وعرفوا -حسب تعبيره- خطأ فكر سيد قطب وصوابية منهج الخميني.

ثم تحدث في الحوار ذاته عن تفسير قوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} وكيف أن الخميني أشعل معناها في صدورهم، فأبرز بُعداً جديدً للصراع في الإسلام وهو صراع المصالح! الصراع بين المستضعفين والمستكبرين! بينما كان سيد قطب يركز فقط على آيات المائدة {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} {الظَّالِمُونَ} {الْفَاسِقُونَ} فجاء الخميني ليبين أن الصراع في العالم ليس صراعاً مبنيًّا على العقائد فحسب، وإنما هناك صراع مصالح أيضاً.


(١) المصدر السابق ص٣٦
(٢) المصدر السابق ص٤٢
(٣) راشد الغنوشي، الحريات العامة في الدولة الإسلامية، ص٢١
(٤) ما أضل السُنِّي إن كان لا يرى أنه أهدى سبيلاً من الرافضي.
(٥) المصدر السابق ص١٥٢

<<  <  ج: ص:  >  >>