للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحديث عن حركة النهضة لا ينفك عن الحديث عن رئيسها ومنظِّرها الغنوشي، لذلك فما يُنسب له يُنسب لها، أمَّا المحاور الثلاثة فهي:

المحور الأول: الاتجاه العقلاني في الحركة والتأثر بالفكر القومي اليساري

وهذه شهادة رئيس الحركة في انتقالها إلى العقلانية مع نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، يقول الغنوشي: (لقد نما النقد داخل الحركة، وكان للعقلانية دورٌ مهم في ذلك، بالإضافة إلى ضغوط الواقع والشعور بعزلة الحركة نتيجة للانكسارات التي أحدثتها في علاقة الفرد مع وسطه، حتى غدا التوتر والعزلة سمتين لأغلب العاملين من أبناء الحركة في علاقتهم بمجتمعهم، ... فلم تنته السبعينات إلا وقد تخلى أغلبية العاملين في الحركة عن الخوض في تلك القضايا، كما انقطع أغلبهم عن حركات الرفع، وبعضهم عن القبض في الصلاة (١)، وانقطعوا جملة عن الخوض في مسألة التوسل والتعرض للصوفية (٢)، بل قطعت الجماعة خطوة أبعد، فعملت على تخفيف التوتر مع المشايخ والصوفية، وأخذت في تنظيم لقاءات مع هؤلاء وأولئك، قاطعة بذلك مع التدين السلفي الوارد علينا من المشرق في صيغة كتابات للشيخ ناصر الدين الألباني وجابر الجزائري.

كما أنه قد نما بتأثير التدين العقلاني وتنامي دور الجناح الطلابي وحجمه في قاعدة الحركة ومؤسساتها مع نهاية السبعينات، وهو جناح اضطره موقعه في مهب المعارك الأيدولوجية والسياسية في الجماعة إلى تقديم الإسلام لا كدعوة بل كرؤية أيدولوجية عالمية) (٣).

أمَّا تأثر الحركة بالفكر القومي والناصري فهذا واضح في كثير من تصريحات الغنوشي، وقد أوضح ذلك بشكل جلي فؤاد السعيد في أطروحة له بعنوان: (إعادة كتابة الناصرية إسلاميًّا - قراءة في فكر راشد الغنوشي) نشرها عبد الحليم قنديل، ختم الدراسة بقوله: (إن أطروحات الغنوشي والحركة الإسلامية التونسية قد لا ترضي القوميين بشكل كامل-وهو أمر غير وارد، وإلا تطابقت المواقف، ولم تعد هناك قضية لتناقش بين الطرفين- ولكنها بلا شك الأطروحات الإسلامية الأكثر قرباً من الفكر القومي الناصري، سواءً على مستوى منهج التفكير أو على مستوى الموقف من الاجتهاد والتجديد الإسلامي أو بالنسبة لفهم القضية الاجتماعية أو العلاقة بين الإسلام والعروبة، وهي خطوة كبيرة على طريق التقارب السياسي، بل والتطابق الفكري) (٤).

المحور الثاني: الخلل العقدي والمنهجي في الحركة

هذا المنهج العقلاني والفلسفي في الحركة أورثها خللاً منهجيًّا وعقديًّا في كثير من الأمور، فمن ذلك:

١ - خلل في الموقف من الثورة الإيرانية، والإمامية الاثني عشرية:


(١) مسألة رفع الأيدي أثناء التكبير في الصلاة والقبض باليمنى على اليسرى، من صفة الصلاة التي أمرنا بها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) والاهتمام بها واجب، أما الانشغال بها بما هو أوجب منها، أو عقد الولاء والبراء عليها فمذموم ومن ضعف الفقه في الدين، وكذا الاستهانة بها وجعلها من القشور كما يُفهم من كلام الغنوشي -عفا الله عنه-.
(٢) وهذا الانقطاع لا مبرر له إلا الاستهانة بأمور البدع وخطر المبتدعة وهذا من أثر المنهج العقلاني الذي تبنته الحركة.
(٣) راشد الغنوشي، حركة الاتجاه الإسلامي في تونس، ص ٣٥، دار القلم ١٤٠٩هـ، وانظر: بحوث ندوة (الحركات الإسلامية المعاصرة في الوطن العربي) نشره مركز دراسات الوحدة العربية عام ١٩٨٧م.
(٤) فؤاد السعيد، (عن الناصرية والإسلام) ص٣٦٩، تحرير: عبد الحليم قنديل.

<<  <  ج: ص:  >  >>