وكنتيجة مباشرة للمظالم الإنترنتية التي واجهها هؤلاء الكتاب في بدايات كتاباتهم -كنسبة لوازم لم يلتزموها وتضليلهم بها أو ربطهم بجهات خارجية فريةً وبهتاناً- فإن كثيراً منهم قادته مناكفة الخصوم تدريجياً إلى الانقلاب على الرؤية الإسلامية والرغبة الدفينة الملحة في تأكيد المباينة بمناسبة وبلا مناسبة, حتى آل الأمر بكلا الفريقين المتباغيين إلى الاستقواء بأحد جناحي السلطة ضد الفريق الآخر.
والحقيقة أن وقوع بعض المنتسبين للاحتساب في بعض البغي هو مما جرت به سنة التاريخ, وقد أشار إلى ذلك الإمام ابن تيمية في كثير من كتبه, ومنه قوله: (وكما قد يبغي بعض المستنة إما على بعضهم, وإما على نوع من المبتدعة, بزيادة على ما أمر الله به, وهو الإسراف المذكور في قولهم: ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا) الفتاوى (١٤/ ٤٨٣)
ثم إن مما زاد في تأجيج هذا الجموح الشبابي حفاوة كثير من المؤسسات الإعلامية بذلك مدفوعة بتصفية حسابات قديمة مع ما تسميه الإسلام السياسي, ومن يتصور أن المؤسسات الإعلامية مجرد مناخ معرفي بحت فهو يعيش وهماً كبيراً, فالمؤسسات الإعلامية كائنات سياسية لها أجندتها الخاصة وانحيازاتها العميقة, ولكن لها أدواتها الخاصة في الاستقطاب والتوظيف بما يتناغم مع بنيتها مثل: منصب كاتب عمود صحفي, أو مشرف صفحة الرأي, أو مقدم تلفزيوني, أو معد برامج, أو ضيفاً دائماً يوضع تحت اسمه خبير في الجماعات الإسلامية, ونحوها من المناصب الإعلامية التي تخطف لب الشاب في عصر الشاشة.
ويمكن إجمال بعض الغايات والنتائج التي سعت إليها هذه الورقة في الخطوط التالية:
-أن العبودية هي الغاية الكبرى, أما العلوم المدنية فهي وسيلة تابعة لها.
-أن التنوير الحقيقي هو الاستنارة بالعلوم الإلهية التي تضمنها الوحي, وأن الظلامية والانحطاط الرئيسي هو الحرمان من أنوار الوحي مهما بلغت درجة العلوم المدنية.
-أن أشرف مراتب العمارة هي العمارة الإيمانية, وأن جوهر وظيفة الاستخلاف هو تمكين الدين.
-أن الغلو المدني هو ينبوع الانحراف الثقافي وجذر التخبطات الفكرية المعاصرة.
-أن الإسلاميين ليسوا ضد المثاقفة, ولكن لديهم موقف تفصيلي يفرق بين الانتفاع والانبهار, ويفرق بين مستويات الإنتاج في الحضارات الأخرى.
-أن خطاب أنسنة التراث آل إلى تغييب دور النص في تشكيل التراث, ورد العلوم الإسلامية إلى عنصرين: الثقافات السابقة وصراعات المصالح, بما ترتب عليه انفصال الشاب المسلم عن نماذجه الملهمة.
-أن المغالاة في مفهوم الإنسان آلت إلى طمس المعايير القرآنية في التمييز على أساس الهوية الدينية.
- أن التبرم بمرجعية الوحي, والإزراء بالقرون المفضلة, واللهج بتعظيم الكفار, من أكثر شعب النفاق المعاصرة التي تستدعي التحصين الإيماني.
-أن المغالاة في النسبية يقود إلى العدمية, بما يترتب عليه خسارة فضيلة اليقين ومنزلة الإحسان, والإغراق في الارتياب والحيرة واللاحسم.
-أن الغضب لله ورسوله إذا انتهكت محارمهما قيمة محمودة وليس توتراً ولا نزقا ولا دوغمائية ولا وصاية ولا إقصاء.
-أن الاستغراق في ربط الشعائر بعلل سلوكية محضة, أو ربط التشريعات بحكم اجتماعية محضة, من أعظم أسباب توهين الانقياد وذبول الدافعية.
-أن تعظيم الكلي مع تجميد تطبيقاته يؤول إلى تعظيم شكلي نظري لا حقيقة له, لأن الجزئي معتبر في إقامة الكلي.
-أن الاستقامة الدينية ليست لمجرد السلامة من النار, بل لها آثار دنيوية كبرى في جلب الخيرات ودفع الكوارث.
-أن الضعف البشري في تأويل النص باتجاه رضا الناس حقيقة لا يستهان بسطوتها على العامل للإسلام الشغوف باستمالة المدعوين.
-أن استفراغ الوسع والاستطاعة في إعداد القوة واتخاذ الإمكانيات من الواجبات الشرعية المحكمة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.