للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هؤلاء الدعاة الذين برزوا في الآونة الأخيرة، وأصبح الحديث والكتابة عنهم بمصطلح "الدعاة الجدد"، ليس لهم توجه واحد، أو منهج يجمعهم؛ فلكل منهم ثقافته واهتماماته وأفكاره، وليس من السهل الحكم عليهم إجمالا! وحديثنا عنهم في هذه السطور، هو من باب الكلام العام! وما قد نطلقه من أحكام ليست بالضرورة تشملهم جميعا! فمنهم من يستغرق في محاضراته ودروسه في الحديث عن الأمور الحياتية اليومية: اهتمامات الناس، واحتياجاتهم الخاصة؛ بلغة ميسرة، إنهم يجيبون الناس على سؤالين مهمين: ماذا أفعل؟ وكيف؟ والبعض منهم يقدم: "محمدا -عليه الصلاة والسلام- كرجل أعمال ناجح جدا" في حديثه عنه أمام الناس!

لكن الدعاة الجدد رغم تنوعهم واختلاف مشاربهم، يلتقون في أربع نقاط: فهم جميعا قادمون من قطاعات التعليم العالي، واكتسبوا ثقافتهم الدينية بأنفسهم، وينتمون غالبا إلى أوساط ثرية وراقية، وفي حين يظهرون مستقلين عن "المؤسسة الدينية الرسمية" من جهة و"الجماعات الإسلامية".

من جهة أخرى .. يسيرون في مسعى توفيقي بين الإسلام والواقع الذي تعيشه الشريحة المخاطبة، "فرسالتهم تعمل أساسا في وسط تسوده الثقافة الاستهلاكية؛ حيث لا محالة من خلق تناغم بين قيم الدين والمكانة في المجتمع.

إن هذا النوع من الدعوة يشبه في ذلك اتجاه الكنيسة المثودية في أمريكا والتي يتبعها الأغنياء في الأساس؛ لأنه يمكنهم في ظلها الجمع ببساطة بين الإيمان والثروة وهذا ما يفعله "الدعاة الجدد": جعل الأغنياء يشعرون بالرضا عن ثرواتهم". مرجع (٨)، بتصرف.

إن هدفهم الرئيس هو "تصحيح القيم الأخلاقية لدى الأفراد فيما يتعلق بسلوكياتهم اليومية". مرجع (٨)

وليس لدى -هؤلاء- من مشروع سوى رفع المستوى الأخلاقي لدى الشباب المنفتحين على الحداثة، من خلال خطاب ديني يحمل قيم تحقيق الذات، على النمط الليبرالي الجديد: الطموح والثروة والنجاح والمثابرة في العمل والفاعلية والاهتمام بالذات.

وهذه الطائفة من الدعاة تتميز بلغة سهلة ومظهر عصري غير تقليدي (!)، أي قريب لمظهر المتلقي، وتقدم استشارات نفسية وتربوية واجتماعية وإدارية، مازجة بين الثقافة الغربية والموروث الإسلامي .. وإلى هنا يظل الأمر طبيعياً، وليس فيه ما يمنع من سماع الناس لهؤلاء والاستفادة مما لديهم واستشارتهم في مجال تخصصهم؛ إلا أن الأمر تجاوز ذلك، إلى حدِّ الاقتداء بهذه الطائفة من الدعاة في مظهرها العام وسلوكها في الحياة وتعاطيها مع المسائل ورؤيتها للقضايا، ليصبحوا مرجعية للمتلقين عنهم وأسوة للأتباع المتأثرين بنجاحاتهم وشهرتهم الإعلامية.

إن "الدعاة الجدد" يوصلون للشباب رسالة أنه "بإمكانهم أن يصبحوا متدينين، وفي الوقت نفسه أن يمارسوا حياتهم الطبيعية من عمل ودراسة وترفيه، كما يمكنهم أن يظهروا بمظهر عصري يشبه أبناء جيلهم، والأهم من ذلك أنه يمكن للشباب أن يكون متدينا ويحتفظ في الوقت نفسه بسلطته ومكانته الاجتماعية". مرجع (٨)، بتصرف.

إن تيار الدعاة الجدد لا يكتفي باختيار الأماكن التي تتناسب مع جمهوره؛ بل هو نفسه في مظهره يشبه هذا الجمهور؛ فبعكس الشيوخ التقليديين يرتدي هؤلاء الدعاة البدلة أو الجينز وربطة العنق، وهو أيضا حليق الذقن؛ في حين يقدمون للشباب إمكانية أن يجمع بين التدين والاستمتاع بالحياة العصرية، مع شيء من الضوابط الأخلاقية! فأصبحت طائفة "الدعاة الجدد" -إن صح التعبير- تزاحم دور علماء الدين وفقهاء الشريعة، أدركت ذلك أم لم تدرك، وشاركت فيه أو لم تشارك، وأصبحت المخالفات الظاهرة التي ترتكبها هذه الطائفة، أو الانحرافات التي تحملها أحياناً، محط اقتداء من الجماهير.

<<  <  ج: ص:  >  >>