للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا التصور الساذج الذي طرحه الدكتور ما هو إلا نتيجة مباشرة للاستغراق التام في "التحليل السياسي". فالدكتور - سلمه الله - نظر فقط للأثر السياسي لفكرة "ولاية الفقيه" على الواقع الشيعي، فأداه نظره إلى أنها تمثل هدماً ذكياً لركن الإمامة لدى الشيعة، بل وتمثل تجديداً وخطوةً نحو التسنُّن! ولو أن أستاذنا اعتنى بـ "النظر العقدي" لربما كان له رأيٌ ثانٍ. ولأدرك حينها أثر "خداع التحليل السياسي" في اختلال الموازين الشرعية، وفي تغييب أصول المعتقد! "ولاية الفقيه" عند من يعرف بعدها العقدي أبعد ما تكون عن المفاهيم السُّنية، بل هي - في ذروة نضجها - أقرب إلى المفهوم الكنسي منها إلى المفاهيم الإسلامية!

قبل "ولاية الفقيه" كانَ الشيعة يقولون: (من ردَّ على الإمام المعصوم، فقد ردَّ على رسول الله، ومن ردَّ على رسول الله، فقد ردَّ على الله). أما بعد بروز فكرة ولاية الفقيه، فقد أصبح أنصارها يقولون: (الرَّد على الولي الفقيه، كالردِّ على الإمام المعصوم! والرَّد على الإمام كالرَّد على رسول الله، والرَّد على الرسول كالرَّد على الله)!!

والنتيجة النهائية لهذا الزيغ أن من ردَّ قول "الولي الفقيه"، فقد ردَّ على الله!! فهل هذا هدمٌ ذكي لمبدأ الإمامة، أو أنه إحياء خبيثٌ لها؟!

"ولاية الفقيه" في محصَّلها ترسيخٌ لمبدأ الإمامة في العقل الشيعي. والذين اخترعوا الفكرة إنما أرادوا تفعيل عقيدة الإمامة وتوظيفها لهدف إقامة دولة رافضية، يتمُّ فيها إحكام السيطرة على قطعان الشيعة الضالة بنَصب طاغوتٍ لهم يشركون به مع الله. وحسبَ هذه النظرية - عند أمثال الخميني - فإن "الولي الفقيه" له الطاعة المطلَقة، ليس في الشأن السياسي وحسبْ، بل حتى في جانب التشريع، فمن حقه تعليق وإيقاف أحكامٍ شرعيةٍ قطعيةٍ من مثل الصلاة والصيام والزكاة والحج! فأينَ هُدِمَت فكرة الإمامة في مثل هذه الزندقة المكشوفة؟!

هذه الضلالات المتراكمة لدى الشيعة الروافض من العسير جداً تصوير خطرها وحجمها الحقيقي لمن أغلق على نفسه صندوق السياسة. فمن أصعب المهام إقناع "المحلل السياسي" أن قوة الأمة في اجتماعها على معتقدها، وأن الخطر الخارجي - مهما يكن - فإنه لا يسوِّغ التهوين من شأن تلك الضلالات التي تستهدف الأمة في أعز ما تملك.

شيءٌ واحدٌ يمكن أن يؤمن الدكتور بضرورة إثارته، وتفريق الأمة عليه، وتشتيت وحدتها من أجله، حتى لو كان في ذلك خدمةً للعدو الصهيوني الأمريكي! فإذا كان الدكتور يعتبر إثارة الخلاف العقدي مع الشيعة حلباً في قدح العدو المحتل، فلنجرِّب أن نقول له: يجب عليك - إذاً - أن تكفَّ عن انتقاد الاستبداد السياسي للحكومات، وأن تمسك قلمك ولسانك عن المطالبة بالانتخابات والمشاركة الشعبية. لأن هذه المطالب هي عينها مطالب العدو الغربي الصهيوني الذي يضغط ويبتزُّ الحكومات بإثارتها، ليحملها في النهاية على تقديم تنازلات تضر بشعوبها.

بالطبع الدكتور لن يقبل مثل هذا الكلام، فهو لا يرى مانعاً أن يحلب في قدح العدو المحتل، لأجل تفعيل محتويات صندوقه. بل لا مانع لديه أن يهبَ عدوَّه البقرة كلها، متى ما تعلَّق الأمر بالرُّكن الأهم عنده: "السياسة"، و"الانتخاب". أما قضايا التوحيد والشرك، والسنة والبدعة، والهدى والضلال، فالمغفَّل من يخدم العدو بإثارتها، وهي - في نظر دكتورنا - قضايا تاريخية تنتمي لعصر أحمد بن حنبل على حدِّ تعبيره في برنامج (إضاءات)!

من مظاهر الضَّعف الكبرى في نهج "المحلل السياسي"، أنه يطرح أراءً واقتراحاتٍ من كدِّ عقله دون أن يكلِّفَ نفسه التوقف عند حكم الشرع فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>