وقد رأيتُ د. الأحمري يقترح ـ من أجل حلِّ المعضلة الشيعية ـ دمجَ الشيعة في المجتمع السُّني عن طريق رفع ما سماه بـ "الحصار الثقافي" عنهم، وفسح الحرية لهم في ممارسة دينهم المنحرف والدعوة إليه، وعدم إشعارهم بفروق بينهم وبين أهل السنة. بل رأيته يتمنَّى لو وُجد في البلاد السُّنية مراجع شيعية محلية، حتى يخفَّ ولاء الشيعة للمراجع الخارجيين!
ومع تقديري لحسن مقصد الدكتور، فإن الذي يقرأ مثل هذه المقترحات يشعر وكأنه يقرأ لمحللٍ ليبرالي أو علماني لا يرجعُ لأصلٍ ولا دينٍ، ولا تعنيه الانحرافات الدينية لدى الشيعة، إلا بقدر إضرارها بالجانب السياسي للدولة!
هو يتحدث عن الشيعة وكأنه يتكلم عن قبيلةٍ أو عِرْقٍ أو حزبٍ سياسي يريد أن يدمجه في المجتمع وحسب، فلا يخطر ببال الدكتور - وهو يطرح رؤيته - أن الشيعة فرقة منحرفة ضالة يتعين ـ شرعاً ـ تحجيمها ما أمكن، والسَّعي في معالجة ضلالاتها بدلاً من تعميقها وترسيخ وجودها في المجتمع السُّني.
أقول هذا وعجبي يطول من مناداة الدكتور بإقامة مرجع شيعي (طاغوت) من صنعٍ محلي، ليعلِّم الناس الضلال وعقائد الحقد الأسود على خيار الأمة. بدلاً من أن يتعلموها من طاغوت مستورد! فهل توقَّف الدكتور - قبل أن يتكلم بهذا - عند مدى شرعية مثل هذا المقترَح؟! وهل نظر في أدلة الكتاب والسنة ليعرفَ إن كان عقله أصاب ههنا أو أخطأ؟! أو أن النظر في الكتاب والسنة أصبح - أيضاً - نبشاً في التاريخ؟!
على أن الحل الذي يقترحه الدكتور - مع مناقضته للشرع -، فإن الواقع يُثبت عدم جدواه. لأن انتماء الشيعي لمرجعه انتماءٌ دينيٌّ تحكمه عوامل واعتبارات كثيرة، تأتي الحدود السياسية في آخرها. فها هو العراق أمام ناظري الدكتور متشبِّعٌ بالمراجع الشيعية المحلية، فهل منع ذلك من تبعية الشيعة للمراجع الإيرانية؟! وهذا لبنان يوجد به مرجع محليٌّ معروفٌ، ومع ذلك فإن أكثر اللبنانيين ينتمون لمراجع خارجية معارِضة ومعادية للمرجع المحلي!
أمرٌ آخر لا أدري هل تفطن له الدكتور أو لا. فتنصيب مرجع محلي ـ لو حصل ـ فلن يكون للشيعة المحليين رأيٌ في اختياره حسب النظام الداخلي للعصابات الشيعية. فالمراجع خارج الحدود هم من يملك حقَّ تنصيب وإضافة مراجع جدُد. وهم ـ بالتأكيد ـ لن يسمحوا بوجود مرجعٍ خارج عن منظومتهم. وبالتالي فإن الثمرة النهائية لاقتراح الدكتور ستكون فتح قاعدة متقدِّمة للروافض داخل العُمق السُّني!
هذا الكلام أقوله على سبيل التنزل والاستطراد، وإلا فإن الميزان أولاً وآخراً للشرع الحنيف. وما كان الله ليرضى عن أمةٍ لا تمانع من ممارسة بعض أفرادها للكفر أو الفسوق العقدي علناً، بل والدعوة إليه بحمايةٍ من القانون كما هو مطلب الأستاذ.
دكتورنا - سدَّد الله قلمه - كمَّمَ أفواه "العقديين"، ثم فشل في القيام مكانهم. فالخلل في كلامه لم يقتصر على ضعف "النظر العقدي"، بل تجاوز ذلك إلى ضعفٍ في معرفة واقع الشيعة القائم. وقد رأيته في تعريفه بالباحث الشيعي أحمد الكاتب يذكر أنه (نشأ شيعياً حركياً، ثم ذهب ليكمل دراسته العليا في قم، وسجَّل مسألة "الإمامة" موضوعاً لرسالة دكتوراه في الحوزة في قم). لا أدري كيف يتكلَّم بهذا من يتحدَّث دائماً عن جهل "العقديين" بواقع عصرهم. وكم أتمنى لو أن الشيعة لا يطَّلعون على مثل هذا الكلام لئلا يكون دكتورنا محلًَّ تندُّرهم.