أحمد الكاتب لم يتقدَّم - يوماً من الأيام - لنيل درجة الدكتوراه ولا الماجستير من حوزة قم، وذلك لسببٍ بسيط، وهو أن الحوزات الشيعية لا يوجد فيها شيء اسمه دكتوراه ولا دراسات عليا. هذه الألقاب - لو علمَ دكتورنا - لا وجود لها في عالم الحوزات الأسود. والذي يتخرَّج في الحوزة الشيعية إنما يتأهل لوضع العمامة على رأسه، والتزين بألقاب من مثل: حجة الإسلام، وآية الله. ونحو ذلك من ألقاب متعضد ومعتَمد. وكلام الدكتور عن دراسات عليا ودكتوراه في حوزات قم، يشبه قول القائل: إن فلاناً سجل أطروحة دكتوراه في جامع الرياض الكبير!
الدكتور ـ غفر الله ـ سَخِر من "العقديين"، واتهمهم بالجهل بالواقع، ثم أقام نفسه مقامهم في علاج المسألة الشيعية، ليكشف بعد هذا عن ضعف معرفته بواقع الشيعة، ومعتقداتهم، ونظام المرجعية عندهم، فضلاً عن منهجية التعليم في حوزاتهم السوداء.
بقي أنْ أنبِّهَ إلى أن د. الأحمري حين يشرح رؤيته للمعضلة الشيعية، فإنه لا يطرح أفكاره بصفتها حلولاً طارئة لوضعٍ استثنائي مؤقت. فهو حين ينادي بتطبيع التشيُّع داخل المجتمع السني، لا يفعل ذلك اضطراراً، وحذراً من الخطر الخارجي المحدِق. وإنما يقول هذا باعتباره الأصل، انطلاقاً من قاعدة كبرى يؤمن بها تمام الإيمان. الدكتور - غفر الله له - يؤمِن بالحرية الفكرية بمفهومها الغربي. فمن رأيه ومذهبه أن الحرية الفكرية وحرية التعبير يجب أن تكون مصانةً ومتاحةً للجميع. فليس الرافضيُّ وحده الذي يجب أن تتاحَ له الفرصة لممارسة ضلاله والدعوة إليه. بل حتى الكافر الصَّريح، والشيوعي الملحد، من حقه ألا يُقمَع ويُقصَى، بل يجب أن يكون حرَّاً في إبداء رأيه والدعوة إليه. بل إن دكتورنا يذهب لما هو أبعد من ذلك، فلا مانعَ لديه من أن تَفسحَ الدولة المسلمة لأحزابٍ سياسيةٍ تقوم على مبادئ الكفر والضلال!! فلا نهضة للأمة - حسب الدكتور - ما لم يتسع صدرها لمثل هذه الحرية المترامية الأطراف! هذا ما يقرِّره الأستاذ ويؤمن به.
وقد سبقَ لي بحثٌ معه حول هذا المنحَى الخطير. ثم سمعته بعد ذلك ببرنامج (إضاءات) يذكر أن الإسلاميين "إذا كان عندهم استعدادٌ لوقف الآخرين وكبت حرياتهم فهذه قضية سيئة جداً"! فليتَ شعري إذا لم يكن من هدف الداعية والمصْلِح إيقاف الباطل وإقصاء أهله، فما فائدة دعوته وإصلاحه إذاً؟! حين أذكرُ هذا الكلام عن الدكتور - أصلح الله باله - فإني أريد بيان الزاوية التي نظر من خلالها وهو يتصدى لعلاج "المعضلة الشيعية". فهو لا يبني فكرته من خلال ملابسات الواقع القائم، بل من خلال قناعةٍ داخلية راسخةٍ لا علاقةَ لها بتآمر الغربيين ضدنا. الدكتور - رعاه الله - ينطلق من مجموعة تصورات ومفاهيم تجمعها كلمة "ديمقراطية". ويخطئ من يظنُّ أنه عالج "المعضلة الشيعية" من خلال معرفته الواسعة بتعقيدات الوضع القائم كما يبدو من ظاهر الأمر، بل وكما يجتهد الدكتور في تصوير ذلك. فحديثه الدائم عن الحرية، وعن العقديين وصناديقهم المقفَلة، وكلامه عن ضرورة استيعاب مشاكل العصر، والبعد عن الاستغراق والتعصُّب لآراء الأسلاف، والتشاغل بالخلافات التاريخية. كل هذا الكلام يتجه إلى مصبٍّ واحد، ينتهي عند دلتا "الديمقراطية".