من أفتى بالجواز نظر في مصلحة الدعوة والإرشاد والتعليم وبلا شك أن الأنبياء أقرب في تحقيق هذه المصلحة وأكثر تأثيرا، وعليه فإنه يلزمه حتى ينتظم اجتهاده أن يفتي بجواز تمثيل الأنبياء .. هذا اللازم يبين لك بشاعة القول بالجواز وشذوذه، وعدم التزام المجيز هذا اللازم لأن فيه سوء أدب والتعليم فيه سيكون ناقص هذا التعليل لا يختلف عنه في منع تمثيل الصحابة، ليس لأنهم من نفس المنزلة والعياذ بالله بل لأن لهم منزلة الصحبة ولأنهم صورة للمجتمع القرآني الذي يجب أن يبقى معظما محترما، وقد جاء الأمر بتخصيصهم بمزيد احترام وتقدير وأدب.
ثم أي مصلحة دعوة وإرشاد وتعليم هذه التي سيتلقاه المشاهد وهو قبل لحظات شاهد نفس الممثل على قناة أخرى في أحضان فتاة يشرب الخمر ويقامر، الناس اليوم يحسبون لمدرسيهم الغلط والزلة حتى يخرجوا من سلطة تعليمهم فكيف بمن يريهم الكبائر والفسق كل يوم على الشاشات كيف سوف يتعلموا منه الإيمان والسنة.
وقد أدت دور زينب بنت علي رضي الله عنه امرأة في كامل زينتها وماكياجها وكذا زوجة الحسين-رضي الله عنه-، والأولى مثلت أدوار قذرة في مسلسلات أخرى.
يجيب المجيز على اعتراض المحرم - أن الإباحة فيها فتح باب للحاقدين على الصحب- بقوله أن الباب مفتوح منذ زمن والمجيز دخل فيه لضبطه وتنقيته.
ومن الأمور العجيبة أن كثيرا من المسلسلات التي مُثل فيها الصحابة كانت ترسخ فضلهم وترشد إلى حسن أخلاقهم مع ما فيها من إشكالات سبق بيانها بينما مسلسل المجيز (الحسن والحسن ومعاوية) كسر هذا الباب وفتح كل نقد واعتراض على الصحب الكرام، فمن هو الذي فتح الباب في مثالب الصحابة
ومن أعجب ما يحتج به بعض من أجاز تمثيلهم أن الناس أبدعوا في التمثيل وبلغوا منازل عالية فيه ونحن نتناقش في حكم تمثيل الصحابة؟!
يا سيدي الفقيه الناس اليوم أبدعت في تمثيل أمور اتفقت الأنبياء - وليس الفقهاء فقط - على تحريمها هل ينقض إبداعهم قولك إذا امتنعت عن تمثيل تلك الأمور أو ينقض فعلك إجازتك إذا قصرت في إبداعك كما هو حال مسلسلك (الحسن والحسين ومعاوية)
المجيز هنا أحد اثنين:
صاحب جهل بالعمل الفني وعنده شبهة وتأويل وفي هؤلاء أئمة في الدين وأصحاب علم وفقه ولا يليق بطالب العلم أن يكون عمدته ودليل كل نقاشاته من أجاز فيهم فلان وفلان فهذا تقليد لا يليق بطالب العلم خاصة أن المجامع الفقيهة الكبرى في العالم الإسلام بكافة مذاهبهم على التحريم، ومن فعل ذلك فهو دليل ضعف حجة وعلم.
والثاني: صاحب ارتزاق على موائد القنوات وملاكها كما أن هناك مرتزق على أبواب الظلمة والمفسدين.
هناك حالة يعيشها بعض فقهائنا المعاصرين وهي السعي لإثبات أن الشريعة
تستطيع التعايش والتكيف والاندماج مع أي زمن وواقع وهو معنى فيه حق لكن
للأسف ينطلق من هذا المقصد الشريف إلى تطويع الشريعة لذاك الواقع فتشعر أنه
لا فرق بين فتواه وبين ذاك الواقع كأنهم خرجوا من مشكاة واحدة فاستوى عنده
في المنتج والنهاية فلو أعفانا من اجتهاده لكان الأمر سيان بفتواه وبدونها، وهؤلاء يضيعون على أصحاب العقول الصحيحة والمنطلقات الشرعية الاستمتاع بإبداع
الفقيه الذي اشتهر به الفقه الإسلامي هذا من جهة ومن جهة أخرى أضافوا دليلا
جديدا إلى أدلة الأحكام وهو التعايش مع (الواقع) والتماهي معه والإغراب في الإفتاء إلى درجة الشذوذ.