للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويؤكد " بندكت أندرسون " أنَّ الأساس الأخلاقي-الليبرالي الذي قدمه الليبرالي الكولومبي " بيدرو فيرمين دو فارجاس " في مطلع القرن التاسع عشر من أجل تبرير استبعاد وإبادة الهنود هو في قوله: (إن كسل الهنود، وغباوتهم، ولا مبالاتهم تجاه الجهود الإنسانية الاعتيادية تدفع المرء إلى الاعتقاد أنهم ينحدرون من عرق منحط).

ويؤكدالفيلسوف "رينان" هذا الاعتقاد فيقول: (جنس واحد يلد السادة والأبطال هو الجنس الأوروبي، فإذا نزلت بهذا الجنس النبيل إلى مستوى الحظائر التي يعمل بها الصينيون والزنوج فإنه يثور، إن الحياة التي يتمرد عليها عمالنا يسعد بها صيني أو فلاح من جنس آخر).

وبالإضافة إلى المبررات التجارية والسياسية والفلسفية العقلانية، تم إضافة المبرر الديني لتكريس موقف الغرب " الأنا " المجحف من " الآخر "، فبحسب البحوث والدراسات العلمية فإنَّ الغرب -وخصوصاً الأمريكي الأبيض- يرى أن الله كرمه وفضله على خلقه، وأن الله كما منح العبرانيين "اليهود" أرض كنعان والقدس، وطرد منها أهلها الأصليين "الفلسطينيين"، فقد منح أمريكا للأوروبيين المهاجرين إليها، وطرد منها سكانها الأصليين، الهنود.

يقول " جون آدمز" في كتاب " أيديولوجيا الغزو": (إن استعمار أمريكا، بداية تحقيق مشروع العناية الإلهية الذي يعني تدفق النور).

ويقول فرنسوا شاتليه: (إن تكوين التعابير التي تعني: أمريكا، أمريكي، أمرك. يُشكل الدلائل على هذا التصميم الإلهي. إن أمريكا هي في نفس الوقت كنعان الجديدة، القدس الجديدة، وفيما يخص الأمريكيين، فهم تحت الحماية الإلهية، إن شعباً مختاراً، فقط، هو الذي يستطيع الإقامة في هذا البلد الموهوب بكرم، لقد عاملهم الله مثل العبريين).

ومن هذه الرؤية الغربية الضيقة والمتعالية تجاه " الآخر " أصبحت الحضارة الغربية هي المحور والمرتكز للحضارات البشرية، بل لا يوجد حضارة إنسانية غير الحضارة الأوروبية الغربية، وما عداها فقطيع من الشعوب المتوحشة والبربرية أو العبيد.

ثم إن " الأنا الغربية " ظهرت في أوروبا بقوة، وانتشرت كالنار في الهشيم، وتبناها ودافع عنها كثير من العلماء والفلاسفة، وهي نظرة -كما سبق- قائمة على " مركزية الحضارة الأوربية " بحيث تستبعد كل ما سواها، فلا حضارة إلا حضارة الغرب.

وترى الدراسات والبحوث أنه لأجل أن يُبرر الغربي تفوقه، فقد ذهب العديد من المؤرخين الغربيين إلى ادعاء تأثير جنس بشري مخصوص له خصائص معينة في صناعة التاريخ، إذ لم يتردد البعض في الزعم بأن الجنس الأوروبي هو أفضل الأجناس على الإطلاق، وأنَّ باقي الأجناس الأخرى أقل قدرة في صناعة التاريخ.

يقول الفرنسي " جوبينو " في رسالة له حول عدم تساوي الأجناس: (إن الآريين وحدهم هم بناء الحضارة والمحافظون عليها). وكان " جوبينو" لا يعترف بحضارة سوى الحضارة البيضاء، ويؤكد ذلك فيقول: (أن التفاوت العنصري كاف لتفسير مصائر الشعوب).

وذهب كل من " جوزيف آرثر " و" هوستن" إلى أن كل الحضارات الأساسية هي من عمل الآريين. وهذه " الأنا " هي التي دَفَعتْ " بلومباخ " إلى تأسيس نظريته الشهيرة التي زعم فيها أن هناك توافقًا بين العبقرية وبين طبيعة العقل الأوربي. ويقول " إفيريت " -أستاذٌ في جامعة هارفارد-: (العرق الأنجلوساكسوني متفوق على نحو لم يسبق له مثيل، ولا يدانيه أحد)!

وهذه " الأنا " الغربية -نفسها- هي التي دَفَعت علماء وفلاسفة الغرب إلى تغليف تفوقهم العنصري المزعوم بغلاف البحث العلمي، فالنازيون الألمان يرون أن تفوقهم يُفسر بناءً على عرقهم، وأنهم أفضل العروق وهم السادة، أما الآخرين فهم العبيد!

<<  <  ج: ص:  >  >>