وحينما سيطرت فكرة " الأنا " على عقل النازية، جعل هتلر يقول بتفوق الألمان بالطبيعة على جميع أجناس البشر، وتقوم فلسفته العنصرية أو " الأنا الألمانية " على فكرة تفوق الجنس "الآري الجرماني" على باقي الأجناس التي أنجبتها الطبيعة، حيث يرى أن الشعب "الآري" فوق الجميع لذلك يجب الحفاظ على نقاوتها. ولذا فقد منع هتلر زواج الألمان من الأجناس الأخرى؛ حتى لا يختلط دمهم النقي بدماء غيرهم الفاسدة.
وذهب النازيون إلى أن العروق ليست مختلفة فقط بل متفاوتة، أفضلها وأرقاها وأنقاها العرق الآري، الفرع " النورديكي "، وأدناها وأحطها الأفارقة السود.
ويبيّن " ريزارد كابوتشينسكي" أن هذه النظرة العنصرية " للآخر" هي التي دفعت النظام الأبيض الكريه -على حد تعبيره- في جنوب إفريقيا إلى تأسيس علاقاته بالآخرين على مبدأ التمييز العنصري ( apartheid) ، ثم يُفسر هذا التصرف -القائم عدم قدرة على التفاهم مع الآخرين والتطبّع بطباعهم، والرغبة في ببناء الأسوار الضخمة وحفر الخنادق العميقة، للانعزال عن الآخرين- "بأنه فشل للكائن البشري في علاقاته".
ثم تتابعت -بعد ذلك- النظريات الغربية لتكريس " الأنا " والبحث عن مسوغات علمية لاستعباد " الآخر " وتبرير شن حروب إبادة وإقصاء في حقه؛ لأن " الآخر " ليس إلا عبدًا لا قيمة له، وتذهب الدراسات إلى أنَّ هذه الأيديولوجية الغربية تُفُسر دواعي الحوادث العنيفة والدموية في التاريخ الغربي، فإبادة الهنود الحمر، والحروب الصليبية، ومحاكم التفتيش، والحروب الأخرى تطبيقٌ عملي لمفهوم الغرب للآخر، ذلك " الآخر" الذي لا ذنبَ له إلا أنه صُنِفَ غربيًا " بالآخر"، مما يعني أنه مجرد عبد أو بربري في نظر الغرب.
يقول فرنسوا شاتليه: (كان على النظام -أي الغربي- إنكار إنسانية العبد، إنه لا يَعْرِفُ، بوصفه حيواناً أو آلة أو كافراً، كيف يشارك في دائرة السوق التي هو مع ذلك دولابها الحاسم، يفترض اقتصاد النخاسة عدم تماثل صارم: "إنسان= أبيض =حر"، "دون الإنسان = غير أبيض= عبد").
لقد تم رسم ملامح " الآخر " بوضوح في الذهنيَّة الغربية بناءً على تصورات الرجل الأبيض، فهو الذي حدد المفاهيم ومن ثم رسم العلاقات بدقة مع الآخرين، فالزاوية الوحيدة التي يُنظر للآخرين من خلالها هي زاوية الغربي، وعين الأبيض، وتقييم الأوروبي، وهذا-كما بُيِّنَ سابقاً- مبني على مفاهيم قائمة على المفهوم الغربي " للأنا " القائمة على التناقض بينها وبين " الآخر ".
يقول الكاتب الغربي " ريزارد كابوتشينسكي": (لقد تمّ تحديد مفهوم " الآخر " بحسب وجهة نظر الإنسان الأبيض، الإنسان الأوروبي).
ويقول فرنسوا شاتليه: (ثمة معيار أبيض وفيما بعد "آري" يكون منقوشاً على سطح الكرة الأرضية، يكون هذا النقش تناقضياً، تناقض بين الأبيض وغير الأبيض).
ويذكر فرنسوا شاتليه أنَّ هناك: (تقسيماً كونياً للعمل: للأبيض النظام والحرية والمثابرة، أما الأصفر فهو جسور وضعيف ولكنه عملي، في حين يكون الزنجي شره وموسيقي وكثير النسل وغير مستقر).
لقد لخص بعض الغربيين -قديماً وحديثاً- رؤيتهم وموقفهم من "الآخر"، حيث اعتقدوا أنَّ "الآخر" بكل اختصار هو (الجحيم) الذي لا يرغب أحد في الذهاب أو التعرف إليه أو إقامة علاقات وديَّة أو إنسانية معه. وهذه التصورات المغلوطة والمتجنية تجاه الآخرين هي ما دفعت الكاتب " إدوارد ألبى " في مسرحيته (قصة حديقة الحيوان) إلى تكرار عبارة: (إن الجحيم هو الآخر) على لسان أحد شخصياتها. وكذلك " جون بول سارتر " في مسرحيته (الجلسة السرية) حيث قال بكل وضوح: (إن الجحيم هو الغير).