إتباع الهوى، والاستسلام للشهوات، وعادة ما يكون الهوى المتبع ضلال وغي ومخالفته عين الصواب والحق، قال الله تعالى:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[الأعراف:١٧٥ - ١٧٦].ومن صور ذلك:
شهوة الفرج، ولاسيما النساء عند الرجال وكذا المردان، روى البخاري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:(ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) , وهذا عادة ما يصيب المرء عن طريق بصره، وربما غوي عن طريق شيء آخر؛ لأن مفاتيحه كثيرة، ومقدماته لا تُحصى قال تعالى:{وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً}[الإسراء:٣٢]، فالمعاين لقوله {وَلاَ تَقْرَبُوا} يجد البلاغة الوصفية في التحذير، حيث يشمل كل المقدمات والطرق المؤدية لهذه الفاحشة، غير أن أعظمها وأشدها إطلاق البصر الذي ينشأ عنه إطلاق الفكر، قال الحق - سبحانه - {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}[النور٣٠]، ونحن لا نفرض قيداً على أبصارنا، ولكن يُجاهد المرء ذاته وليتلذذ بهذه العبادة العظيمة، وقد تواصى السلف الصالح بهذا الأمر، وكانوا على حرص شديد من فتنة النساء والمردان، قال الحسن بن ذكوان: لا تجالسوا أبناء الأغنياء فإن لهم صورًا كصور العذارى، فهم أشد فتنة من النساء. وقال بعض التابعين: ما أنا أخوف على الشاب الناسك من سبع ضار من الغلام الأمرد يقعد إليه. (أنظر الكبائرص٤٢، للذهبي - دار الثريا).
أقول كم ذهب جراء شهوته صالحين كثر قدموا دنياهم على دينهم، وكانت بدايتها من رمقة بصر أشعلت فتيلة الهوى، وصادفت قلباً خاوياً فتملكته -والعياذ بالله-، وهذا يحصل كثيراً، ويزول والحمد لله بالتوبة والأوبة والرجوع، لا كما يصيب البعض من اليأس والقنوط.
حب التصدر، والشهرة والافتتان بالظهور الإعلامي. وهذه فتنة عظيمة ومصيبة جلية، وتأتي على مداخل وطرق شتى قل من يسلم منها إلا من رحمه الله، عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَ فِلِدِينِهِ"، وإن الحصيف هو الذي ما يلبث أن يجاهد نفسه في مدافعة ذلك، وفي وقتنا هذا زاد الطين بلة أنه مع تعدد وسائل الإعلام، وزيادة فرص المناصب والوجاهات توجب على الأخيار عدم التراخي والتراجع لسد هذه الثغرات وملأها للمجتمع خيراً ونفعاً، ولكن الرزية أنها أصبحت فتنة عند البعض فحين وصل لذلك الكرسي، أو استلم ذاك المذياع، وربما شوهد عبر الأقمار الصناعية مقدماً أو مشاركاً وربما ضيفاً ... أصبحت غاية له بدلاً من كونها وسيلة لنقل الخير، وقد يبذل القيم والنفيس لديه من أجل أن يقبل الناس صورته، وكلامه، وملبسه، وحتى ربما غير أفكاره وطريقة كلامه استجابة لمطامع البعض، وحتى يصل لما يريدون فيصل هو لما يُريد.