للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان السلف الصالح على بلوغ صيتهم ونفعهم ينفرون من الشهرة والتصدر. قال بشر بن الحارث: " ما اتقى الله من أحب الشهرة " سير أعلام النبلاء ١١/ ٢١٦, وقال الإمام أحمد: " أريد أن أكون في شعب بمكة؛ حتى لا أُعرف، وقد بليت بالشهرة "، ولما بلغ الإمام أحمد أن الناس يدعون له قال: " ليته لا يكون استدراجاً "المرجع السابق ١١/ ٢١٠ - ٢١١.

وقال سيد عفاني - رفع الله منزلته -: (ولما كان المطلوب بالشهرة وانتشار الصيت هو الجاه والمنزلة في القلوب، وحب الجاه هو منشأ كل فساد، لذا كان الهرب والخوف من الشهرة من دلائل الإخلاص) (تعطير الأنفاس في الحديث عن الإخلاص).

حب المال والاتجار به. وقد قال تعالى عن {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: من الآية١٥]. وقال سبحانه: {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} [الفتح:١١]، بل الطريف أن البعض يسير في هذا الطريق مدعياً أنه سيكون رمزاً في الإنفاق لدين الله، وهو يذكرنا بقول الله -عزوجل-: {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ} [التوبة:٧٥ - ٧٦]. حقاً إنه واقع مشاهد، وحاضر ملموس، بل العجيب أن البعض أخذ في ذلك مأخذاً بعيداً حيث أسرف على نفسه في الملبس والمركب والمسكن، مدعياً بذلك أنه يريد بها نصرة لدين الله حتى يُرى فتتحسن صورة الأخيار في أعين الناس جاعلاً من أبي بكر وعثمان وابن عوف - رضي الله عنهم- أنموذجاً في ذلك، ونحن نذكره بأفعالهم، ومواقفهم وأعطياتهم، فأحدهم قدم ما يملك كله لله، وآخر يجهز جيش العسرة، وكل ذلك قليل من أفعالهم، وأذكر نفسي وأحبتي بحديث المصطفى عليه الصلاة والسلام، روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض)).

الوقوع في حبائل الشبهات العقدية، وإتباع الفتاوى الدخيلة، والخوض في بعض القواعد الفقهية بقياس قبيح، وهذا مفاده هوىً في النفس، وكلمات حق أحياناً يُراد بها باطل، وعادة كما قال العلماء من تتبع الرخص تزندق.

الانهزامية النفسية، واحتقار الذات والتهرب من التكاليف والمسؤوليات، وهذا يصيب العاملين، والمجتهدين في ميدان الخير، فإذا شاهد جراحات الأمة في جسدها، وكيف تمر الدعوة وأهلها في هذه المرحلة، فيُصاب بداء اليأس والانهزام، ولم يكن هذا دأب المصلحين، ولا من سار على ذلك. قال عز من قائل: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف١١٠]. ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يحقر أحدكم نفسه قالوا: يا رسول الله، كيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: يرى أمر الله عليه فيه مقال، ثم لايقول فيه، فيقول الله - عز وجل- له يوم القيامة: ما منعك أن تقول في كذا وكذا؟ فيقول: خشيت الناس، فيقول: فإياي كنت أحق أن تخشى)) رواه ابن ماجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>