للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوقوع في الذنوب والمعاصي والأخطاء المتتابعة، والأخذ على النفس في ذلك بأنها منحرفة باغية لا نفع معها ولا وسيلة لاستنقاذها من وحل المعاصي والموبقات، وهذا حقاً شؤم المعصية لكن على المؤمن أحياناً أن يتعامل مع الله بالرجاء، فربما قتله الخوف أحياناً، فما زال في الجسد روح إذاً لا يزال للإنسان توبة وأوبة، قال الله جل وعلا: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الحجر٤٩]. وفي الحديث القدسي روى البخاري عن أَبِي هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ((أَذْنَبَ رَجُلٌ ذَنْبًا، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ أَذْنَبْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ لِي، قَالَ رَبُّكُمْ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، قَالَ: ثُمَّ لَبِثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ أَذْنَبْتُ ذَنْبًا آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِي، قَالَ رَبُّكُمْ: عَلِمَ عَبْدي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، قَالَ: ثُمَّ لَبِثَ مَا شَاءَ اللَّهُ فَأَذْنَبَ ذَنْبًا، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ أَذْنَبْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ لِي، قَالَ رَبُّكُمْ: عَلِمَ عَبْدي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ)).

أما آثار الذنوب والمعاصي فيلخصه ابن القيم-رحمه الله- في: (أنها تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة، أو تعوقه وتقطعه عن السير، فلا تدعه يخطو إلى الله خطوة، هذا إن لم ترده عن وجهته إلى ورائه، فالذنب يحجب الواصل، ويقطع السائر، وينكس الطالب، والقلب إنما يسير إلى الله بقوته، فإذا مرض بالذنوب ضعفت تلك القوة التي تسيره، فإذا زالت بالكلية انقطع عن الله انقطاعاً يصعب تداركه والله المستعان) الجواب الكافي ص١٤٠.

أعمال القلوب، وإهمال العناية بها، ودرء أمراض القلوب وإهمال التنبؤ لها، وهذا هو سر عميق علمه من علمه، وجهله من جهله، إذ هناك دقائق وخفايا حري بنا تعلمها والعمل بها أو دونها، قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: (فوا حسرة لمعاقب لا يدري أن أعظم العقوبة عدم الإحساس بها، فالله الله في تجويد التوبة عساها تكف كف الجزاء، والحذر الحذر من الذنوب خصوصاً ذنوب الخلوات، فإن المبارزة لله تعالى تسقط العبد من عينه، وأصلح ما بينك وبينه في السر وقد أصلح لك أحوال العلانية) صيد الخاطر جزء ١ صفحة ٦٣، وقد قال أحدهم: (أجمع العارفون على أن ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات، وعبادات الخفاء هي أعظم أسباب الثبات)،فالعناية بالخشية والرجاء والمحبة وكل أعمال القلوب مطلب، والبعد عن الكبر والحب التصدر وطلب الرياسة، والعشق والشهوات المضلة، وسائر أمراض القلوب مهم، بل ومن ضرورات الثبات، وزيادة الإيمان، ومعرفة الواحد الديان. يقول العز بن عبد السلام -رحمه الله-: (صلاح الأجساد موقوف على صلاح القلوب، وفساد الأجساد موقوف على فساد القلوب، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)) (رواه البخاري ومسلم) , أي إذا صلحت بالمعارف ومحاسن الأحوال والأعمال صلح الجسد كله بالطاعة والإذعان، وإذا فسدت بالجهالات ومساوئ الأحوال والأعمال فسد الجسد كله بالفسوق والعصيان).قواعد الأحكام (١/ ١٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>