للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدعاء، والابتهال إلى الله بالمعونة والثبات، وما أعظم ما أورثته النصوص في ذلك. {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:٨] , وقد كان يكثر عليه الصلاة والسلام في سجوده: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)) رواه الترمذي.

الحرص على البيئة العلمية التربوية الجادة، ومواكبة ذلك في كل مكان زمان حتى الموت، والبحث عن صاحب سنة يعينك وتعينه، وتدارسه ويدارسك. ففي الترمذي عن حنظلة - رضي الله عنه- وكان من كتاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر بأبي بكر وهو يبكي فقال: ما لك يا حنظلة؟ قال: نافق حنظلة يا أبا بكر نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين فإذا رجعنا إلى الأزواج والضيعة نسينا كثيراً. قال: فو الله إنا لكذلك انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقنا فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما لك يا حنظلة؟ قال: نافق حنظلة يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين فإذا رجعنا عافسنا الأزواج والضيعة ونسينا كثيراً، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" لو تدومون على الحال الذي تقومون بها من عندي لصافحتكم الملائكة في مجالسكم وفي طرقكم وعلى فرشكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح، ونأخذ من هذا الحديث كيف هو حال المؤمن حين يقترب من مصدر قوته، وهم العلماء أصحاب الهدى، وكيف به إذا انشغل بالدنيا.

تربية النفس ومجاهدتها وتزكيتها، وأطرها على الحق أطراً، (قال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -: من مقت نفسه في ذات الله آمنه الله من مقته) مختصر منهاج القاصدين ص٤٠٣، وهذا يمثل أحد جوانب التزكية عند أفضل الأمة إيماناً، (وقال أنس - رضي الله عنه -: سمعت عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- ودخل حائطاً فسمعته يقول وبيني وبينه جدار: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، بخ بخ، والله لتتقين الله يا ابن الخطاب أو ليعذبنك. وقال البختري بن حارثة: دخلت على عابد بين يديه نار قد أججها وهو يعاتي نفسه، فلم يزل يعاتبها حتى مات). المرجع السابق.

ووسائل ذلك كثيرة منها تدبر القرآن الكريم والعمل بما فيه، ومعايشة مجالس الإيمان والوعظ وترقيق القلب، سواء بالقراءة أو بمجالسة الوعاظ والمصلحين، وحضور مجالس الزاهدين والورعين.

الدوام على الطاعة والعمل الصالح، وهو هدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - كما تروي أمنا عائشة- رضي الله عنها - فتقول:" كان أحب العمل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي يداوم عليه صاحبه".رواه البخاري، وهنا لفته جميلة وهي المداومة، لأنها كالزاد للمسافر ليسده في طريقه، وأما الانقطاع عن الطاعات، وإهمالها فذلك منفذ خطير على قلب العبد، وسلوكه.

تتبع قصص السلف، ومعرفة آثارهم وأقوالهم.

الاستشارة والتأني في القراءة لاسيما عند الإطلاع على الحضارات، ونيل الثقافات الأخرى.

الولوج في المشاريع والأعمال الدعوية، والتي من خلالها يشرع الفرد في العمل، وربط العلم به، وتنمي عنده الانتماء لما يؤمن به، ويصعب اهتزاز وارتجاف المبادئ والقناعات التي يعتقدها.

(الخاتمة)

إن حرص المؤمن على أغلى ما يكنزه، وحفاظه على دينه الذي يمثل مهجته وحياته كلها، وبذله الغالي والرخيص في نمائه وزيادته، وعدم المساس به، أو التعدي عليه بأي شكل من الأشكال؛ ليمثل خلاصة موضوعنا، ومسكه الأخير .. وليس ما عرجنا عليه بالحديث المستفيض الذي يقف مع كل نقطة ليشرحها، ويصف مظاهرها وعلاجها، ولكن حسبي أني صورت شيئاً من الداء والدواء لنفسي أولاً، ثم لمن أراد من المؤمنين. يصف الواقع، وينير الطريق، ويبين الحقيقة - بإذن الله-.فاللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ..

وفي الختام أقول ما كان من حق وهدى فالله منه الخير والتقى، وإن زلل فنفسي وشيطاني والهوى، وأقول كما قال الأول: السعيد من اتعظ بغيره، والشقي من اتعظ غيره به ... ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ..

<<  <  ج: ص:  >  >>