للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس معنى التقرير السابق منع الأمة من الاستفادة من تجارب ومنجزات الأمم الأخرى وإنما معناه: أن استفادتها لا تكون عن احتياج وفقر في مرجعيتها وموروثها التشريعي ولا نضوب في مخزونها الديني وإنما يجيء الاحتياج ويصبح ضرورة واقعية حين تفرط الأمة في إعطاء النصوص الشرعية حقها وتفرط في دينها وتنصرف عن تحليل الموروث الشرعي والمعرفي التي تضمنته النصوص.

ضخامة المخزون السياسي الشرعي:

المادة السياسية في الإسلام مادة ضخمة ثرية بحيث إنها تستطيع أن تلبي حاجات الأمة الإسلامية على مر عصورها فقد اهتمت الشريعة اهتماما واسعا بالمجالات المرتبطة بحياة الناس ومعيشتهم وسعت إلى بناء الأحكام وتأسيس المبادئ التي تحقق لهم السعادة وتضبط لهم العلاقات المختلفة وقدمت في ذلك نصوصا كثيرة وقد توصل بعض علماء الإسلام إلى أن آيات الأحكام غير محصورة في عدد معين من القرآن وأن استنباط الحكم الشرعي خاضع لقوة القريحة وعمق التفكير ومنهم من حصرها في عدد معين وأوصلها إلى ثمان مئة آية وأما أحاديث الأحكام فقد أوصلها بعضهم إلى أربعة آلاف حديث من غير المكرر وبعضهم زاد على ذلك وبعض نقص عن هذا العدد.

وكذلك هو الحال في المجال السياسي فإن اهتمام الشريعة به لا يقل عن غيره من المجالات ولأجل هذا فإن مصادر الشريعة من نصوص القرآن والسنة - أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتصرفاته- احتوت على قدر كبير من النصوص المتضمنة للمبادئ والأحكام التشريعية التفصيلية وهي تمثل ثروة هامة يمكن من خلالها تقديم رؤية ناضجة يسعد بها الإنسان في حياته السياسية.

وقد قام الإسلام بعمليات استصلاحية للنظم الفاسد في الجاهلية كنظام البيع ونظام الزواج وغيرهما وأتى بنظم بديلة عنها ومن المستبعد عقلا أن يقوم الإسلام بذلك ثم لا يقوم باستصلاح النظام السياسي ولا يقدم فيه بديلا يسعد الناس به وهو نظام مماثل لتلك الأنظمة في الطبيعة والحكم فضلا عن أنه من أكثر الأنظمة فسادا في الجاهلية وأعمقها تأثيرا في حياة الناس.

تجربة الخلافة الراشدة:

ويزيد من ضخامة الموروث السياسي وحيويته ويوسع من مخزونه ويقوي من قدرته على مواجهة المتغيرات وتلبية المتطلبات: تجربة الخلافة الراشد فهذه التجربة داخلة في صميم الموروث السياسي الشرعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أضفى عليها الشرعية وزكاها ووصفها بأنها خلافة نبوة وأمر بإتباعها وجعلها سنة متبعة فقد قال صلى الله عليه وسلم:"تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن يكون ... " (المسند ١٨٤٣٠) وقال صلى الله عليه وسلم:"أوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد فإنه من يعش منكم فسيري اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة" (الترمذي٢٦٠٠).

فنحن مأمورون من قِبَلِ الشرع بإتباع السنن التي كان عليها الخلفاء الراشدون سواء كانت السنن السياسية أو العبادية المحضة وذلك أن لفظ السنة عام يشمل كل ما كانوا عليه وسياق النصوص يؤكد على أن المعنى الأولي للسنة فيها هي السنة السياسية؛ لأن سياقها جاء في معرض الأمر بطاعة ولي الأمر والنهي عن مخالفته

<<  <  ج: ص:  >  >>