للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المكتسب الثالث: تحقيق التوازن الإصلاحي: الانطلاق من المادة السياسية في الإسلام تعد ضمانة من أقوى الضمانات لإدراك التوازن في العملية الإصلاحية فالذهنية المنطلقة من ذلك الموروث تكون عادة متوجهة نحو الشمول والاستيعاب وسالمة من الاختزال والضيق في المجال الإصلاحي لأن الإسلام عقد ترابطا شديدا ومعقدا بين أنظمته فكل مجال منها متداخل مع غيره تداخلا كبيرا ومنسجما معه انسجاما عاليا بحيث تُكَوِّن في النهاية لحمة واحدة تمثل التصور الإسلامي للكون والحياة.

وقد ألمح عبدالوهاب خلاف إلى هذا التداخل حين قال:"العقيدة لها أثرها في إحسان العبادة والعقيدة والعبادة لهما أثرهما في تكوين الأخلاق والأخلاق لها أثرها في حراسة التشريع والتشريع له أثره في حماية الدولة ورفعتها والدولة لها دورها في الحفاظ على العقائد والعبادات والأخلاق والتشريعات فكل هذه الأمور يؤثر بعضها في بعض ولا يستغني بعضها عن بعض فلا بد من العناية بها جميعا إذا أردنا أن نقيم حياة متكاملة متوازنة كما أمر الله " (علم أصول الفقه ٣٧).

وهذا الكلام يؤكد على أن عربة الإصلاح لا تسير على عجلة واحد وإنما لا بد فيها من عجلات متعددة حتى يمكنها أن تسير باتزان وفي طريق مستقيم وتحقيق الاتزان وإقامة ذلك الترابط الذي يقيم الحياة كما أمر الله يقوم أول ما يقوم على إدراك الموروث الشرعي والانطلاق منه في مسيرة الإصلاح.

ولا نعني بالتوازن الإصلاحي هنا: إلغاء التخصص في مجال من المجالات ولا نعني به أيضا المنع من كثرة الاهتمام به دون غيره ولا نعني به المطالبة بالمساواة بين كل المجالات في كل الأحوال في الدعوة والاهتمام كل هذه المعاني غير مقصودة وإنما نعني به إعطاء كل مجال ما يتطلبه من إصلاح مع عدم التحقير والتقليل- بالقول أو بالممارسة - من الجمالات الأخرى.

ومتى ما افتقد المشروع الإصلاحي التوازن فإنه يظل في حالة من السلبية والعدمية وهذا ما وقع فيه الفكر العربي المعاصر فلو قمنا بعملية تحليلية للمشاريع الإصلاحية التي قدمت في الفكر العربي المعاصر فإنا نجدها تعاني من الاختزال الشديد في تصور فكرة الإصلاح نتيجة افتقادها للتوازن المنضبط فبعض تلك المشاريع تصور أن الإنقاذ الحقيقي يكون بالإصلاح الثقافي والفكري دون غيره, وبعضها يتصور أن الإنقاذ الحقيقي يكون بالإصلاح السياسي دون غيره,

وبعضها يحدد مجالات أخرى مختلفة وبقليل من سعة الأفق والهدوء في المعالجة يتبين لنا أن الركيزة الأولى في الإصلاح هي في التوازن بين كل تلك المجالات وإعطاء كل مجال ما يستحقه من جهد وبحث وتأصيل.

الخطوات العملية لاستثمار المخزون السياسي:

تضمن الموروث السياسي في الشريعة إشارة هامة إلى العودة الحميدة للنظام السياسي الرشيد ووعدا صادقا به فقد قال صلى الله عليه وسلم:"تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة " (المسند ١٨٤٣٠)

فهذا الخبر يفتح الآمال أمام الأمة لتسعد بجمال الأنظمة الإسلامية ولكن من المستحيل عقلا أن ترجع الخلافة الراشدة بنفسها من غير جهد أو عناء ومن المستبعد عقلا أن تقوم خلافة النبوة في الواقع مع جهل الناس بها وبمعالمها وبتفاصيلها وبقلة وعي الناس بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>