لذلك نجد أن من السلفيين من هم أعضاء في جماعات سياسية، كالإخوان والنهضة والإصلاح، ومنهم من لا ينتمي إلى جماعة سياسية، وله انتماءات مذهبية أو فكرية أخرى يرى أن مواقفها لا تتعارض مع ما يوصل إليه المنهج السلفي في الاستدلال.
من يعرف ذلك عن السلفيين لن يستغرب اختلاف مواقفهم في هذه الأحداث، بل ربما يجد الغرابة فيما لو اتحدت مواقفهم، فهذه طبيعة البشر حينما لا تجمعهم قيادة فكرية أو سياسية يدينون لها بالتسليم، لا بد أن يختلفوا، وليس ذلك في المواقف الحاسمة وحسب، بل حتى المواقف التافهة قلَّما تجد بين أصحاب المصلحة الواحدة اتفاقًا بشأنها، ما لم يجتمعوا على صوت واحد يسلِّموا له، ويقفوا عند رأيه.
هناك معضلة أخرى يشترك فيها السلفيون مع غيرهم، وهي أن فرصة الحديث في كل أمر جليل متاحة للجميع, ويجد الكثيرون ممن ليسوا أهلًا للفتوى من أنفسهم الجرأة على الإقدام على إبداء آرائهم في النوازل الخطيرة، وصبغ هذه الآراء بصبغة الفتوى، أي أنها فيما يرون هي حكم الله تعالى في المسألة دون أن يؤدوا ما عليهم من واجب شرعي، وهو استفراغ الوسع في الاجتهاد في هذه النازلة، باستخدام كل ما يعرفه علماء أصول الفقه من أدوات الاجتهاد.
وأقول: إن هذه بلوى عامة لدى السلفيين وغيرهم، لكنَّها قد تبدوا أكثر جلاء عند السلفيين؛ لكونهم لا يخضعون - كما قدمت - لقيادات علمية تجمع شتات آرائهم في مثل هذه المواقف، وتحدد من له أهلية الكلام ممن يجب أن يلتزم الصمت.
أما غير السلفيين فإنهم وإن كانوا يرجعون إلى قيادات تجمع شتات فكرهم، إلا أن سيطرة التوجهات الحزبية على هذه القيادات تحول دون استشرافهم للنصوص الشرعية الاستشراف اللائق بها، ولذلك تأتي اجتهاداتهم في النوازل مطلية بطلاء الهوى المحض الذي يُخفي ما يشاء من النصوص ويبدي ما يشاء منها.
وفيما يتعلق بالمشروع السياسي، أين المشروع السياسي السلفي؟
في ظل هذه الحركات الشعبية بدأ الكثيرون من السلفيين الشباب يشعرون بسحر السياسة وتحركاتها، ولم يجدوا عند علمائهم سوى أحاديث الطاعة لولي الأمر، والتي يختلفون أيضًا في طُرق تنزيلها على الواقع، فأحسوا بصدق القول بأن السلفية تفتقر إلى مشروع سياسي يتناسب مع مطالب العصر.
وللجواب لابد أن نعلم أن مصطلح المشروع مصطلح لا يزال غير محرر عند أكثر من يتحدثون عنه، لاسيما كتَّاب الصحافة والإعلاميين، الذين هم أكثر الناس جدلًا بشأنه، وعندي أن المراد به في العرف الفكري المعاصر: مجموعة المبادئ والوسائل والغايات التي تتبناها جماعة ما؛ لتحقيق رؤيتها للنهضة والإصلاح في مجتمعها، وحين نتأمل الفكر السلفي ممثلًا في الإنتاج الغزير لأبرز رموزه، وهو شيخ الإسلام ابن تيمية، نجد أنه يرشد إلى مشروع متكامل للنهضة والإصلاح في الأمة، لكن الإصلاح السياسي في هذا المشروع يأخذ مكان الثمرة التي تنتج بعد الاشتغال بالإصلاح الديني للأمة بكل مكوناتها، والقادة والقائمون على الشأن السياسي جزءٌ غير منفصل عنها.