للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فليست السياسة هي مشروع السلفيين للنهضة والإصلاح بل هي جزء من هذا المشروع، ولهذا نجد أن التغيير السياسي ليس أوليًّا في برنامجهم إلا في جانب النصيحة لأئمة المسلمين، كما في حديث: (الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله، قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)، وهو الحديث الذي يؤكد على الفكرة التي يتبناها السلفيون من عدم الفصل في مشروعهم بين الحكام والمحكومين، وتتضمن النصيحة واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الثابت لعموم الأمة كأحد مظاهر خيريتها الثابتة في قوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}. [آل عمران:١١٠]

أما التخطيط والترتيب من أجل الوصول إلى سدة الحكم، فهذا في حال عدم ثبوت الكفر البواح من الحاكم، شأن فردي لا يتدخل المشروع السلفي فيه كثيرًا, بل يغلب عليه أنه كسائر تصرفات العباد تنتابه الأحكام التكليفية الخمسة، فقد يكون واجبًا، وقد يكون محرمًا، وقد يكون مكروهًا، وقد يكون مستحبًّا، وقد يكون مباحًا,، فللسلفيين حكم فقهي مستفاد من نصوص الشرع، أو من الأدلة الأخرى المستفادة حجيتها من النص الشرعي على كل من يصنع ترتيبًا كهذا، أو يُشارك فيه، سواء أكان فردًا أم جماعة؛ لأن السلفيين هم- كما قدمت- أصحاب منهج استدلالي في الاعتقاد والفقه، ولهذا فهم يحكمون على التصرفات البشرية بما يرونه مناسبًا لها من الأحكام التكليفية.

وقد يخرج من السلفيين من يأخذ طريقه في العمل السياسي، فعمله إذ ذاك لا يكون حجة على المنهج السلفي، أو عورة عليه، كما يقول بعض من يريد الإساءة للسلفية، بل إن سلفية هذا الناشط لا تعصمه من أن يحكم إخوانه من علماء المدرسة السلفية على تصرفاته بأحد الأحكام التي يرون أنها تُلائم ما قام به من عمل، حسب ما لديهم من طرق في استنباط الأحكام.

وللسلفيين بمجموعهم نظرة دقيقة جدًّا، وفريدة لا نظير لها، فيما يحكمون عليه بالوجوب أو الندب من المشاريع السياسية، وبالتالي تجد أن هذه المشاريع قليلة الوجود في التاريخ الحديث، بل ربما نادرة، أو قل: إن الذاكرة الحديثة المدونة لن تسعفنا إلا بأمثلة قليلة منها: مثال الدولة السعودية بأطوارها الثلاثة، وأمثلة جميع الثورات الإسلامية المسلحة، والحركات غير المسلحة ضد الاستعمار الصليبي والماركسي قديمه وحديثه.

أما الحكم بالإباحة فالغالب على السلفيين عدم الاعتراض على النشاط السياسي الذي يقوم به إخوانهم من أبناء الحركات الإسلامية ضمن حدود النظام داخل الأنظمة التي تدَّعي الديمقراطية، وتسمح لمواطنيها بالتعددية السياسية، أقول الغالب؛ لأن من السلفيين من لا يرون المشاركة ضمن أنظمة لا تحتكم لشرع الله تعالى على اعتبار أن ذلك تعبير عن الرضى بحكم الطاغوت.

أما الكراهة والتحريم فيحكم السلفيون بهما على كل تحرك سياسي ضمن نظام لا يسمح بالمشاركة السياسية، ويكون بقاؤه رغم ما فيه من استبداد محققًا لقدرٍ من مقاصد الشريعة سوف يكون تحقيقها في خطر حين حدوث الصدام بين هذا النظام، وبين الحركات السياسية الإسلامية, وهي خلاصة الحكمة التي يرونها في الأحاديث الموجبة لطاعة الولاة، وتحريم الخروج عليهم، والتي يلتزمونها بشدة؛ لكونها قاطعة في دلالتها، قطعية في ثبوتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>