للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - لا مستقبل إلا بالدين: هذه الأمة أخرجت بالدين (هو الذي اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج) وإن القطيعة مع الماضي هي أسوأ ما تبتلى به أمة من الأمم، لأن الماضي هو الجذور المنغرسة في حياتنا الثقافية، ومن الغريب أن أمماً أخرى وبلاداً أخرى عندما عزمت على النهوض بلورت نظامها التعليمي بالتأكيد على الهوية الخاصة بعقائدها وتقاليدها والمثال على ذلك (سنغافورة) وكان التركيز على التاريخ لأن الجهل بتاريخ الأمة يعوق الشعور بأهمية العمل، كما كان التركيز أيضاً على القيم والأخلاق

العلماء في الأمة الإسلامية هم القادة، وما أتى المسلمون إلا من قلة العلماء الربانيين، العلماء الذين لا يُيئِسون الناس من المستقبل، ويفقهون أحاديث الفتن ويضعونها موضعها الصحيح وفي سياقها، فهذه الأحاديث "لم يخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم أمته إلا لأجل أن يكونوا على بصيرة من مقاومة ضرها، واتقاء تفاقم شرها، لا لأجل أن يتعمدوا إثارة تلك الفتن والاصطلاء بنارها"

٤ - البعد عن الخوف وعن اقتصاد التبذير: لا نستطيع التحدث عن المستقبل ونحن نعيش ثقافة الخوف وحياة السفه في إنفاق الأموال، فالأخطار الخارجية ليست هي التي تأتي بالدرجة الأولى، المشكلة تكمن في الأخطار الداخلية، "إن أفضل طريقة لمقاومة البرودة الخارجية هي أن يجري الدم في الداخل، الشجاعة تأتي من الداخل، من القلب، نتحدث كثيراً عن الهزائم التي ألحقها بنا الآخرون، وحان الوقت لكي نبدأ الحديث عن الهزائم والخسائر التي ألحقناها بأنفسنا"

ماذا يخاف المسلمون ولماذا يضعون أنفسهم موضع المدافع والمُحاصر، ولماذا يشعرون وكأنهم سينقرضون وهم الآن أكثر من خمس سكان العالم، ولماذا يضخمون من نظرية المؤامرة وتكالب الأعداء حيث يصبح الفرد يائساً من المستقبل ومن النهوض والتقدم. ولماذا لا يكونوا حاضرين في مراكز القرار العالمي، ويحاورون الآخرين من موقع القوة وموقع النديّة، وهم قوة حضارية لها قيمها وسبلها ومناهجها، وهم قوة سياسية واقتصادية. وإذا كان الإسلام سيصبح قوة (جيوسياسية) كما يقول الرئيس الأمريكي السابق (نيكسون): وإذا كان العالم الإسلامي سوف تكون له أهمية كبرى خلال القرن القادم وأنه قوة مستقبلية كما يقول الكاتب الروسي (سولجنستن): إذا كان هكذا فيجب ألا نرضخ لما يجري اليوم، ولا نسلم بغرق المركب، وأمريكا لن تتحول إلى إمبراطورية، لأنه ما من دولة تبتدئ بالتراجع الاقتصادي إلا وتحاول أن تغطي عن ضعفها بتركيز سياستها على التفوق العسكري، وهنا يبدأ التراجع كما يقول المؤرخ الأمريكي (بول كينيدي) إننا نعيش فترة انتقالية كبرى، وعالم الغد لا يحتمل أن تحتكره أية دولة أو كتلة من الكتل.

٥ - لا بد أن يثق المسلمون بوعد الله، وأن تتسع الآمال التي هي من فطرة الإنسان، "ولو قصرت الآمال ما تجاوز الإنسان حاجة يومه، وفرق بين الآمال والأماني، فالآمال هي التي تتقيد بالأسباب، والأماني ما تجردت عنها". وإذا كان المطلوب من الإنسان تحقيق الغاية التي خلق لأجلها (ليبلوكم أيكم أحسن عملاً) فالإنسان يستطيع بإذن الله تحقيق المستقبل عندما يحقق الغاية.

الأمة الإسلامية نجت من خطرين اجتمعا عليها: الخطر الصليبي والخطر المغولي، وخرجت بعد عشرات السنين أقوى بنياناً، ولو تعرضت أمة أخرى لمثل ما تعرضت له هذه الأمة لاندثرت وأصبحت أحاديث القصاص. الأمة الإسلامية لها وزنها وقيمتها، والله سبحانه وتعالى جعل الكعبة البيت الحرام قياماً للناس، وهذا يفرض على المسلمين مسؤولية كبيرة لمقاومة الفساد في الأرض، والإصلاح لا يتم في ليلة واحدة، والخير لا يأتي دفعة واحدة، وسنة الله في خلقه التدرُّج، والإسلام يستطيع أي يؤدي دوراً حاسماً لثقافة مضادة لثقافة العولمة، ويستطيع الإسلام مناقشة القضايا الكبرى التي تتحدث عنها البشرية اليوم (الهوية، البيئة، الاستقلال، والعولمة ... )

٦ - الاستفادة من هجرة المسلمين إلى الغرب واستقرارهم فيه وخاصةً الشباب المتعلم الذي حافظ على دينه وخلقه، وإن الانفتاح الإيجابي يستطيع أن يفعل شيئاً كثيراً، والمشاركة السياسية لحماية حقوق المسلمين سيكون لها دور في الحفاظ على الهوية كما أن التعاون مع الأغلبية في القضايا التي تحقق قيم الإسلام وقيم الإنسانية سينهي الخوف الذي تشعر به بعض الشعوب العربية بسب الأخطاء التي ترتكب باسم الإسلام، والذين أسلموا من أهل تلك البلاد يمكن أن يكون لهم دور مهم في بلادهم لصالح الإسلام والمسلمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>