وفي كتابه الشهير (الموجة الثالثة) تنبأ (توفلر) بزوال الليبرالية الغربية خلال العقدين القادمين، كما زالت الشيوعية، بما أن كلاً من الليبرالية الغربية والشيوعية هي من نتاج القرن التاسع عشر، أي نتاج العصر الصناعي الذي ينتهي اليوم ليحل محله عصر ما بعد الصناعي، عصر توزع جديد للسلطة على مستوى العالم يطال جميع الألوان والأعراق والثقافات.
يتساءل الكاتب (دين هامر) في كتابه ( The God Gene) كيف يتمركز الإيمان في نفوس البشر؟ لماذا يكون للروحانية هذه القوة وتلك السيطرة على العالم؟ ويصل في بحثه إلى أن الروحانية أو على الأقل جزء منها تتمركز في حياتنا الوراثية، ولو أطلع المؤلف على القرآن الكريم لعلم أن ما يبحث عنه هو الفطرة التي ذكرها القرآن الكريم، وهو الميثاق الذي جاء في الآية {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا ... }[الأعراف: ١٧٢]
وهذا الذي ذكرناه عن التحولات في الغرب لا يعني أن تقدم المسلمين مرهون بانهيار الغرب، ويجب على المسلمين ألا ينتظروا تدهور الغرب حتى يخططوا للمستقبل، فإن الغرب رغم ابتعاده فعلاً عن الأسس التي قامت عليها حضارته، ورغم ما يكتبه بعض مفكريه الحريصين عليه والذين يشعرون بخطر التراجع عن القيم والأخلاق التي ترسخ الحضارات، ورغم تراجع الحرية التي أعطت الغرب قوته، فإنه يحاول دائماً إصلاح نفسه وتدارك أخطائه، وتدارك الأخطار التي تحيط به.
هذه المبشرات لا تعني المستقبل الواعد، لأن المستقبل مرهون بوجود مرتكزات أساسية، سواء كانت موجودة تحتاج إلى تفعيل أكثر، أو أنها لا بد أن توجد، ولا تنفع الآمال دون عمل، ولا ينفع التفاؤل المفرط دون الأخذ بالأسباب.
ومن هذه المرتكزات:
١ - الاهتمام بالمؤسسات والجمعيات الأهلية التي تخدم المسلم، وأن تكون هذه المؤسسات تابعة للأمة، لأن المؤسسات الوقفية الخيرية في تاريخ المسلمين هي التي استمرت وأبقت الأمة قوية في العلم والتضامن الاجتماعي حتى لو لم تساعدها الدولة، بل رغم استبداد بعض تلك الدول وانشغالها بالصراعات الداخلية. والملاحظ أن الغرب يهتم كثيراً بهذا النوع من المؤسسات الاجتماعية والثقافية والخيرية، والتي كانت أيضاً من أسباب نهضة، ولكنه يعمل على إلغائها أو تهميشها في العالم الإسلامي.
٢ - الاهتمام بالإنسان: فقد استغرق العصر الصناعي مائتي سنة ليبدأ عصر (الكمبيوتر) وأما عصر (الإنترنت) فما يزال في بدايته وعلى المسلمين أن يتهيأوا لهذا القادم، حيث أصبحت المعلومات قيمة كبيرة، وأصبحت الأدمغة البشرية المفكرة هي رأس المال الحقيقي، كانت ثروة الأمم تقاس بما عندها من ذهب أو معادن وغير ذلك من كنوز الأرض، وأما اليوم فإن الثروة هو الإنسان المتعلم المتفوق، والعالم الإسلامي يملك ثروة بشرية متعلمة، ولكنه يعاني من هجرة الأدمغة إلى الغرب بسبب سوء أحواله السياسية والاقتصادية، وفي المجتمع الإسلامي ما تزال العلاقات بين الناس يسودها نوع من التضامن والتعاون، وما تزال الأسرة متماسكة والعلاقات العائلية جيدة بشكل عام.