للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٣/ ٤)

مؤسسة الدرر السنية - القسم العلمي

الأربعاء ٥ شعبان ١٤٣٢هـ

الأصل في التعامل مع المبتدع:

الموقف الأصلي العام للسلف من المبتدعة هو هجرهم، وترك مجالستهم ومناظرتهم؛ لأن الأمور الباعثة لهم على الهجر من المصالح الدائمة الغالب وجودها مثل الخوف من انتشار البدعة، أو التأثر بها، أما إن تخلفت هذه المصالح، أو كانت المصلحة في غير ذلك الهجر فإن الحكم هنا دائر مع منفعته، وإذا عرف مقصود الشريعة سلك في حصوله أوصل الطرق إليه كما قال ابن تيمية [الفتاوى ٨/ ٢٠٦]

قال ابن عبد البر في فوائد حديث كعب بن مالك في الذين خلفوا: (وهذا أصل عند العلماء في مجانبة من ابتدع، وهجرته، وقطع الكلام عنه [التمهيد ٤/ ٨٧] وقال البَغْوي: (وفيه -أي حديث كعب بن مالك- دليل على أن هجران أهل البدع على التأبيد) [شرح السنة ١/ ٢٢٧.]. وقد مضى الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنة على هذا مجمعين على معاداة أهل البدع ومهاجرتهم.

ضوابط في دعوة المبتدعة:

هناك ضوابط ومعالم للمنهج الشرعي في دعوة المبتدعة، والتعامل مع عامة ذوي المخالفات الشرعية، منها:

١ - لا بد أن تكون دعوة أهل البدع قائمة على أصلين: الإخلاص والمتابعة. وذلك أن الحكم ببدعة ما، واتخاذ موقف من أهلها، مسائل شرعية نحن متعبدون بها، فيشترط لها ما يشترط لسائر العبادات، ومعنى الأخذ بالإخلاص أنه ينبغي ألا يكون الموقف عقاباً، أو تألفاً إزاء أحد من المبتدعة تشهياً ولا تشفياً.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فمن هجر لهوى نفسه، أو هجر هجراً غير مأمور به كان خارجاً عن هذا، وما أكثر ما تفعل النفوس ما تهواه ظانة أنها تفعله طاعة لله [مجموع الفتاوى ٢٨/ ٢٠٧].، وقال -رحمه الله-: (إذا كان مبتدعاً يدعو إلى عقائد تخالف الكتاب والسنة، أو يسلك طريقاً يخالف الكتاب والسنة ... بُيِّن أمره للناس؛ ليتقوا ضلاله، ويعلموا حاله، وهذا كله يجب أن يكون على وجه النصح، وابتغاء وجه الله تعالى لا لهوى الشخص مع الإنسان؛ مثل أن يكون بينهما عداوة دنيوية، أو تحاسد أو تباغض أو تنازع على الرئاسة، فيتكلم بمساوئه مظهراً للنصح، وقصده في الباطن الغض من الشخص، واستيفاؤه منه؛ فهذا من عمل الشيطان [مجموع الفتاوى ٢٨/ ٢٢١].

٢ - ومن المهم عند دعوة أهل البدع معرفة أن البدع ليست بدرجة واحدة، بل تتفاوت بقدر ما ارتبط بها من مفسدة، فمنها ما هو معصية، ومنها ما هو كفر أو شرك، وقد تكون بعض البدع ذريعة إلى الشرك.

فلا بد أن ينزل كل إنسان منزلته، ويدعى بما يناسب حاله، كما قال الشاطبي -رحمه الله-: (كل بدعة عظيمة بالإضافة إلى مجاوزة حدود الله بالتشريع إلا أنها وإن عظمت لما ذكرناه فإذا نسب بعضها إلى بعض تفاوتت رتبها، فيكون منها صغار وكبار؛ إما باعتبار أن بعضها أشد عقاباً من بعض؛ فالأشد عقاباً أكبر مما دونه، وإما باعتبار فوات المطلوب في المفسدة [الاعتصام ١/ ٣٥٩].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إن الطوائف المنتسبة إلى مبتدعين في أصول الدين على درجات: فمنهم من يكون قد خالف السنة في أصول عظيمة، ومنهم من يكون قد خالف السنة في أمور دقيقة [مجموع الفتاوى ٣/ ٣٤٨].

<<  <  ج: ص:  >  >>