للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨ - اغتفار زلة العلماء والدعاة الذين ثبت أن منهجهم هو منهج أهل السنة، ثم وقع منهم هفوة أو زلة أو بدعة متأولة ينبغي نصحهم والتحذير من الخطأ الذي وقعوا فيه، لكن لا ينبغي إسقاطهم بالكلية، وإخراجهم من المنهج لزلة أو هفوة، فإن العصمة ليست لأحد سوى الأنبياء، كما قال ابن القيم: (وكيف يعصم من الخطأ من خلق ظلوماً جهولاً؟! ولكن من عدت غلطاته أقرب إلى الصواب ممن عدت إصاباته) (١)، فإذا كان واجبنا أن نلتمس العذر للمسلم بصفة عامة فينبغي أن يكون لدعاتنا وعلمائنا نصيب أكبر في العذر وإحسان الظن؛ وقد أشار شيخ الإسلام -رحمه الله- إلى الأساس الذي يقوم عليه هذا المنهج وهو الموازنة بين حسنات الرجل وسيئاته، وما له وما عليه، يقول شيخ الإسلام: (إن ما ثبت قبحه من البدع وغير البدع من المنهي عنه في الكتاب والسنة أو المخالف للكتاب والسنة إذا صدر عن شخص من الأشخاص فقد يكون على وجه يعذر فيه، إما لاجتهاد أو تقليد يعذر فيه، وإما لعدم قدرته كما قررته في غير هذا الموضع) (٢) وقال أيضاً: (إن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة وهو من الإسلام وأهله بمكانة عليا قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور لا يجوز أن يتبع فيها مع بقاء مكانته ومنزلته في قلوب المؤمنين) (٣) وقال الشاطبي: (زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة ولا الأخذ بها تقليداً له وذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع ولذلك عدت زلة وإلا فلو كانت معتداً بهالم يجعل لها هذه الرتبة ولا نسب إلى صاحبها الزلل فيها كما أنه لا ينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير، ولا أن يشنع عليه بها ولا ينتقص من أجلها أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتاً فإن هذا كله خلاف ما تقتضي رتبته في الدين) (٤).

وقال الذهبي: (ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعلم تحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه وورعه واتباعه، يغفر له زلله، ولا نضلله ونطرحه، وننسى محاسنه، ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك) (٥).

٩ - لا بد أن نعلم أن عبارات السلف الشديدة في حق المبتدعة خرجت في حق أهل العناد والدعاين إلى البد ع، ومن هذه العبارات ما خرج من أجل الزجر عن الوقوع في البدع والتساهل فيها، أو مع أهلها، قال ابن القيم -رحمه الله-: (كان ابن عباس -رضي الله عنهما- شديداً على القدرية، وكذلك الصحابة) (٦) ومما يُظهِرُ شدة الصحابة على المبتدعة وتبرئهم منهم قول ابن عمر -رضي الله عنهما- حينما سئل عن القدرية فقال: (فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني) (٧).

فينبغي على الداعية لأهل البدع أن يعرف متى يستخدم الشدة؟ ومتى يستخدم اللين؟ وما يحقق المصلحة الشرعية وما لا يحققها، فيضع الشدة في مكانها، واللين في مكانه؛ لأن إغفال هذا الأمر مضر، وكما قال المتنبي:

ووضعُ الندى في موضع السيف بالعلا ... مضرٌ كوضع السيف في موضع الندى (٨).

والله الموفق للصواب.


(١) مدارج السالكين: ج٣/ ٥٢٢.
(٢) الفتاوى الكبرى: ج٦/ ٩٢.
(٣) مجموع الفتاوى: ج١٠/ ٣٧١.
(٤) الموافقات: ج٤/ ١٧٠.
(٥) سير أعلام النبلاء: ج٥/ ٢٧١.
(٦) شفاء العليل: ج١/ ٢٩.
(٧) أخرجه مسلم في الإيمان: ج١/ ٢٨ - ١٠٢.
(٨) البيت في شرح ديوان المتنبي: ج١/ ٢٦٦، وفي الصبح المنبي عن حيثية المتنبي: ج١/ ٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>