والحديث - لو صح - ليس فيه دليل أنهم كانوا يتحرُّون الصلاة عند الأسطوانة تبركاً بل اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، بل كان الصحابة رضي الله عنهم يبتدرون السواري وهي الأسطوانات - وقد كانت من خشب - للصلاة عندها وجعلها سترة لهم، وهذا معروف مشهور.
ثم إن الغريب من الشيخ أنه لم يكتفِ بأسطوانة عائشة المزعومة بل زاد عليها وقال (ص٢٠): ((ومن الأماكن النبوية في الروضة الشريفة الأسطوانات الأخرى، وهي: أسطوانة السرير، وأسطوانة الحرس، وأسطوانة الوفود، وأسطوانة التوبة، وأسطوانة التهجد)) ولا أدري أيريد من الناس الذهاب إلى هذه الأسطوانات ليلتمسوا البركة عندها؟!
مع العلم أن أياً من هذه الأسطوانات لم يرد فيها حديث خلا أسطوانة التوبة - والتي تيب عندها على أبي لبابة رضي الله عنه - فقد ورد فيها حديث إسناده ضعيف، انظر: صحيح ابن خزيمة (رقم٢٢٣٦) وضعيف ابن ماجه (رقم٣٥٠).
= أمَّا دليله الرابع، فهو حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقد قال الشيخ (ص٢٣): ((وثبت عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه كان يأتي مسجد الفتح الذي على الجبل، يتحرى الساعة التي دعا فيها النبي صلى الله عليه وسلم على الأحزاب ويتحرى المكان أيضاً ويقول: ولم ينزل بي أمر مهم غائظ إلا توخيت تلك الساعة فدعوت الله فيه بين الصلاتين يوم الأربعاء إلا عرفت الإجابة)) وقال في موضع آخر (ص٥٩): بعد أن ذكر الحديث ((يقصد رضي الله عنه أنه يتوخى الزمان والمكان أي يدعو في تلك الساعة في ذلك المكان الذي دعا فيه النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد الفتح، بدليل رواية البخاري في الأدب المفرد ولفظه: .. - ثم ذكر اللفظ المتقدم آنفاً -)) أ. هـ
وحديث جابر هذا رواه الإمام أحمد في (المسند)(٢٢/ ٤٢٥ بتحقيق الأرنؤوط) والبزار في مسنده ومن طريقه ابن عبد البر في التمهيد (١٩/ ٢٠٠) من طريق أبي عامر العَقَدي عن كثير بن زيد بلفظ: ((إلا توخيت تلك الساعة فأدعو فيها فأعرف الإجابة))، وفي إحدى روايات البزار أنه:((يدعو في تلك الساعة في مسجد قباء)) ذكرها المؤلف نفسه (ص٥٩)، ورواه ابن سعد في الطبقات (٢/ ٧٣) وابن الغطريف في جزئه (ص١٠٧) ومن طريقه عبد الغني المقدسي في الترغيب في الدعاء (ص٤٩) من طريق عبيد الله بن عبد المجيد عن كثير بن زيد بلفظ: ((إلا توخيت تلك الساعة من ذلك اليوم فدعوت فعرفت الإجابة)) ورواه البخاري في الأدب المفرد (٢/ ١٦٧ مع الشرح) من طريق سفيان بن حمزة عن كثير بن زيد بلفظ: ((إلا توخيت تلك الساعة فدعوت الله فيه))، وأصح هذه الروايات إسناداً رواية أحمد فأبو عامر أوثق من عبيد الله ومن سفيان لذلك قال المنذري في الترغيب والترهيب (٢/ ١٤٢): رواه أحمد والبزار وغيرهما وإسناد أحمد جيد، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (٤/ ١٢): رواه أحمد والبزار ورجال أحمد ثقات، وكثير بن زيد نفسُه فيه كلام انظر:(السنن والأحكام)(٤/ ٣٠٠) للضياء المقدسي و (اقتضاء الصراط المستقيم)(٢/ ٨١٦) لابن تيمية، والحديث ضعف إسناده الأرنؤوط في تخريجه للمسند من أجل كثير بن زيد، وحسَّنه الألباني في (صحيح الأدب المفرد)(١/ ٢٥٦) و (صحيح الترغيب والترهيب)(٢/ ٢٤) باللفظين معاً، وأنكر ابن تيمية أن يكون جابر رضي الله عنه كان يتحرى المكان فقال في اقتضاء الصراط المستقيم (٢/ ٨١٦)((ولم يُنقل عن جابر رضي الله عنه أنه تحرى الدعاء في المكان بل في الزمان)).