وحين أكتب هذا الكلام لا أنظر إلى من يرأس الحكومات العربية فقط، وإنّما أنظر إلى ثلة من المتنفّذين فيها الّذين وصل ببعضهم الحال إلى قريب من حال زين العابدين، سواء من الوزراء أو الأمراء أو المدراء أو قادة الجيوش وذوي المناصب .. فبعض هؤلاء حالهم ليس ببعيد من حال زين العابدين، فما إن يُمكّن للواحد منهم في منصب كبير أو صغير حتّى يبدأ بالظّلم والاستبداد، بعضهم يقفل المساجد، وبعضهم يحارب القرآن، وبعضهم يحارب الحجاب، وبعضهم يحارب أيّ منشط دعوي، وبعضهم يروّج للتغريب والانحطاط الخلقي، ويشيع الفاحشة وأسبابها، ويعلي من شأن الفسقة والمارقين، ويحطّ من شأن العلماء وأهل الشريعة. كلّ ذلك بدعوى محاربة الرجعيّة والظلامية والصعود بمن معه إلى الرقي والعالم الأوّل.
ولكنّ الله تعالى يُري هؤلاء آيات في الآفاق؛ فكلّ هؤلاء ليسوا أغنى من زين العابدين، ولا أكثر قوّة وبوليسيّة منه، ولا أشدّ بطشًا، ومع هذا رأينا كيف أذلّه الله لمن سحقهم وأهانهم، وبدأ يسترحمهم أن يبقى، وأن يعطوه فرصة أخرى، ولكنّ الشّعب قال له بكل قوّة: لا ..
وأقول أنا لبعض أشباهه الذين نعايشهم: وما هي من الظّالمين ببعيد.
الرّابعة والأخيرة: لأهل العلم والدّعاة أن يعوا جيّدًا أنّ المذهب السّلفي يجب أن يبقى نزيهًا بعيدًا عن توظيفه في خدمة الطّغاة وجلاوزتهم، بمعنى أنّه لا يجوز في مثل هذه الظّروف أن يكون الصّوت الوحيد الّذي يجيّر لصالح الظّلمة هو صوت العلماء السلفيّين، نعم أنا أعي جيّدًا حرص الكثيرين على السنّة، وأن لا يتمّ تهميشها في زحمة المتكلمين ورغبات الثائرين، وأعلم كذلك شفقة أهل العلم على النّاس أن يتاجر بهم طلاّب السلّطة وزعماء الأحزاب الذين يستغلون حماس الجماهير لزحزحة أعدائهم، ثمّ يكونون أوّل النّاكثين لوعودهم إذا تمكّنوا .. أعي ذلك جيدًا.
والمطلوب موقف وسط، كلّ نظام حاكم يهمّش العلماء وأهل الشّريعة، ويقصيهم وقت رخائه، فيضرب بفتاويهم وأقوالهم عرض الحائط لا يجوز أن يوظّف الحكم الشّرعي بأيّ طريقة ليقوّيه، ويدفع عنه سخط الجماهير، خاصّة ونحن نعلم أنّ هذه الجماهير الّتي نشأت على عينه وربّاها هو على احتقار العلماء، وعدم الأخذ بأقوالهم، ولا نصائحهم لن تحترم أقوال هؤلاء العلماء حين يرون فيها ترسًا يتترّس به الظّالم والمستبدّ لظلمه واستبداده.
يجب أن تكون فتاوى أهل السنّة لمن يطيعهم من أهل العلم والدين؛ حتّى لا يشاركوا في الفتنة، ولا تنغمس أيديهم في دم أو مال حرام، أمّا الجماهير الثائرة فليتحمّل ثورتها من ألجأها إلى ذلك تجويعًا وظلمًا وقهرًا وتهميشًا، وليتحمّل ذلك من ربّاها على تنحية الشريعة وإقصاء الدّين؛ فهذه الجماهير الّتي تعوّدت إبّان رخائها في الإعلام الرّسمي والتعامل الحكومي على تهميش أهل العلم لن تأبه لهم، ولا لأقوالهم إبّان شدّتها وعسرها ..
وساعتها يحقّ لأهل العلم أن يقولوا لكلّ حاكم ونظام حارب الدين والعلم الشرعي والفضيلة وأقصاها عن حياة النّاس: يداك أوكتا وفوك نفخ.