ولا يجد المؤمن أمراً يخفف عنا صدمة بعض كلماتهم إلا يقيننا بأنّ هذه سنّة المجرمين مع الأنبياء والصالحين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ قال تعالى:{كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} *الذاريات: ٥٢، ٥٣*.
وعن ربيعة بن عباد رضي الله عنه، قال:(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يمر في فجاج ذي المجاز، قبل أن يهاجر، وهو يدعو الناس إلى الإسلام، يتبع الناس، يدعوهم إلى الله في منازلهم، والناس متقصفون عليه، فما رأيت أحداً يقول شيئاً، إلا إنهم يتبعونه، وهو لا يسكت، يقول: أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا. فلم يزل يرددها مراراً، وخلفه رجل أحول وضيء الوجه، ذو غديرتين، يتبعه، يقول: يا أيها الناس، لا تقبلوا منه، إنه غوي، صابئ، كاذب، لا يفتنكم هذا عن دينكم ودين آبائكم. ويرمي عقبيه بالحجارة حتى أدمى عقبيه. قلت لأبي: من هذا؟ قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، وهو يذكر النبوة. قلت: ومن هذا الأحول، الذي يمشي خلفه يكذبه؟ قال: هذا عمه أبو لهب. قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم يفر منه، وهو على أثره، ونحن نتبعه، ونحن غلمان).
خامس عبرة: أنّ الإغراق في الترفه، وجعله هدفاً لا يحيد المرء عنه، يحول بينه وبين كثير من أعمال الخير والاحتساب، ولقد ظهر ذلك جليّاً في عزوف السعوديين عن الجلوس إلى طلاب التحفيظ، ونيل شرف تعليمهم كتاب الله تعالى، ولقد أخبرني بعض مسؤولي الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم عن عزوف السعوديين عن التشرف بهذه المهنة، وأنّ الجمعية تعطيه راتب المعلم غير السعودي الحافظ المجاز، وهو لا يحفظ إلا ثلث القرآن، وغير مجاز، ومع ذلك يشترط المسجد الذي يريد أن يكون فيه، ويوافقونه على طلبه، ثم لا يلبث - بعد مدة قد لا تطول- أن يتركنا فجأة، ويوقعنا في حرج البحث عمن يسد مكانه، وها هم من بين أكثر من ألف معلم لم يجدوا إلاّ أقل من ثلاثين وافقوا موافقة مبدئية، ولا شكّ أنّ هذا خلل كبير لابدّ من إيجاد حلّ له.
سادس عبرة: كثرت الدندنة حول (مخرجات التعليم وسوق العمل)، ومع أنّ هذا سوق عمل كبير جداً، إلا أنا لم نر من أشار إليه أدنى إشارة، بل جلّ ما نقرؤه تحريض ضد أن تهتم الجامعات بهذا النوع من التخصص، وإذا كانت جمعيات منطقة مكة المكرمة فقط تحتاج إلى أكثر من ستة آلاف معلم ومعلمة لتعليم القرآن - غير الحلقات التي لم تجد معلمين إلى الآن - فأين من سودوا صفحات زواياهم بالمنادات للمواءمة بين مخرجات التعليم وسوق العمل؟ لقد أقاموا الدنيا وما أقعدوها من أجل ١٦٨ عمل كاشيرة، بحجة أنها تنهي بطالة النساء، فأين هم من ٣٠٠٠ وظيفة معلمة، تنهي -حسب رأيهم - بطالة آلاف النساء.
سابعها: الكلمة أمانة، وقد رأينا جميعاً كثيراً ممن خاض في هذه المسألة بدون علم، أو بهوى، وتكلم بكلام، أسأل الله أن يوفقه للتوبة منه، فيه من المجازفات شيء كثير، ولو أنّه تذكر قوله تعالى:{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} *ق: ١٨*، وقوله:{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُون} *الصافات: ٢٤*، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:((وأن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله عز وجل ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله عز وجل بها عليه سخطه إلى يوم القيامة)). وهذا يجعلنا نتنبه إلى أنّ ليس كل ما يقال يمكن تصديقه، فكم من بريء اتهموه، وكم من متهم برؤوه، قال تعالى:{وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} *النساء: ١١٢*.