وفي الختام لن تنتصر هذه الأمة إلا عندما تؤتى صبر نوح على قومه فقد دعاهم عشرة قرون ولم ييأس ويستعجل النصر حتى أتاه بعد عشرة قرون ـ عمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم حتى الآن خمسة عشر قرنا ـ وظل يدعو بين قومه سرا وجهارا، يدعو بالصوت والقدوة حتى إذا استغشوا ثيابهم دعاهم بالإشارة ـ عليه السلام ـ ثم يؤمر ببناء السفينة فيسخر قومه منه فيسخر منهم، وفي نهاية هذه القصة قال تعالى لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ:{تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ العَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} .... [هود: ٤٩]. وحاول أن تتأمل ختام هذه الملحمة.
وتؤتى يقين موسى بنصر ربها في أشد وأصعب الأوقات، فانظر إلى موقفه مع السحرة وقد جمعوا له سبعين ألف ساحر إذ قال لهم بعزة المؤمن الواثق بنصر الله:"فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ" قمة الاستهزاء بمكرهم وألاعيبهم، حتى إذا ألقوا:" فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ " فكانت النتيجة:" وَيُحِقُّ اللَّهُ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ المُجْرِمُونَ " .... [هود: ٨٠ - ٨٢]. ولما لحقه فرعون فصار فأحاطه من الخلف وأحاطه البحر من الأمام وظن قومه أنهم هالكون على يد فرعون لا محالة، كان موسى يردد:" قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ " فكانت النتيجة:" فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ البَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ العَظِيمِ " .... [الشعراء: ٦٢ - ٦٣].
وتؤتى ابتسامة محمد صلى الله عليه وسلم وشموخه وثقته بنصر ربه له وهو في الغار مع صاحبه وقريش كلها تطلبه حيا أو ميتا:" ما ظنك باثنين الله ثالثهما " .... [متفق عليه].
اعلم أخي الكريم أنه لن يهزم قوم نزل فيهم:" وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ " .... [آل عمران: ١٣٩].