وقد أعمل السيف فيها أربعين يوما، وجرت أنهار بغداد مرة باللون الأسود لكثرة ما أغرق فيها من الكتب، ومرة باللون الأحمر لكثرة قتل المسلمين. يقول ابن كثير:" ولما انقضى أمد الأمر المقدر وانقضت الأربعون يوما بقيت بغداد خاوية على عروشها ليس بها أحد إلا الشاذ من الناس والقتلى في الطرقات كأنها التلول ـ جمع تل ـ، وقد سقط عليهم المطر فتغيرت صورهم وأنتنت من جيفهم البلد وتغير الهواء فحصل بسببه الوباء الشديد، حتى تعدى وسرى في الهواء إلى بلاد الشام فمات خلق كثير من تغير الجو وفساد الريح، فاجتمع على الناس الغلاءُ والوباءُ والفناءُ والطعنُ والطاعونُ فإنا لله وإنا إليه راجعون. ولما نودي ببغداد بالأمان خرج من تحت الأرض من كان بالمطامير والقني والمغاير كأنهم الموتى إذا نبشوا من قبورهم وقد أنكر بعضهم بعضا، فلا يعرف الوالد ولده، ولا الأخ أخاه، وأخذهم الوباءُ الشديدُ فتفانوا ولحقوا بمن سبقهم من القتلى واجتمعوا في البلى تحت الثرى بأمر الذي يعلم السر وأخفى الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ". وانطلقوا بعد ذلك إلى الديار الشامية ـ كما يخطط أحفادهم اليوم الذين لم يقرؤوا تاريخنا ـ يأسرون ويقتلون ويفتكون بالمسلمين وأحرقوا أسوار قلعة دمشق ودكوها دكا، وساندوا النصارى على المسلمين في دمشق فظل النصارى يشربون الخمر في المساجد ويسكبونها على عتبات المساجد.
وبعد هذا الانهزام والانكسار الذي مرت به الأمة الإسلامية بعده بسنتين في عين جالوت ينتصر المسلمون عليهم بقيادة الملك المظفر قطز، ويهزمونهم شر هزيمة، بل بدأ التتاريون في الهروب من الديار الشامية " فتتبعهم المسلمون ـ كما يقول ابن كثير ـ: " من دمشق يقتلون ويأسرون وينهبون الأموال فيهم، ويستفكون الأسارى من أيديهم قهرا ولله الحمد والمنن على جبره الإسلام ومعاملته إياهم بلطفه الحسن. وجاءت بذلك البشارة السارة فجاوبتها البشائر من القلعة المنصورة وفرح المؤمنون يومئذ بنصر لله فرحا شديدا، وأيد الله الإسلام وأهله تأييدا، وكبت أعداء الله النصارى واليهود والمنافقين وظهر دين الله وهم كارهون، ونصر الله دينه ونبيه ولو كره الكافرون ".
٩. وفي سنة ستة عشر وستمائة دخل الصليبيون دمياط وقتلوا أهلها وظلوا يفجرون بالنساء في المساجد ويفتضون العذارى، وأخذوا نسخة من القرآن وأرسلوها إلى الجزائر. وبعد سنتين استنجد الملك الكامل بأخيه الأشرف فنجد وحاصروا الصليبيين في دمياط حتى اضطروهم على الصلح وطردوا شر طردة وقتل منهم عشرة آلاف كافر بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
١٠ - وفي عام سبع وستين وتسعمائة وألف قام اليهود بضرب مصر وسوريا فدكوا الأراضي المصرية وضربوا المطارات المصرية، وحتى ضربوا الطائرات على الأرض قبل أن تقلع، وتاه الجنود في الصحراء وضلت أمة قيل أنها سترمي اليهود ومن ورائهم في البحر. وفي عام ثلاث وسبعين أي بعدها بست سنين ـ بما تبقى منها من إيمان ـ انتصر المسلمون وعبروا خط بارليف واستردت الأمة كرامتها لتعلم الدرس:{إِنْ تَنْصُروا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبْتَ أَقْدَامَكُمْ}.
١١ - وعندما تدخل شارون المسجد الأقصى عام ٢٠٠٠ وظن أنه بهذا الصنيع يهزم المسلمين هزيمة روحية انطلقت انتفاضة لم تكن في حماس والفتح فقط، وإنما ـ بحسب تعبير بعض الجرائد الإسرائيلية ـ امتدت لتشمل عناصر لم تشملها من قبل.