للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحق لنا آل البيت من هذه البطون والأصول المعروفة وغيرهم من آل البيت أن نكون أولى بأمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها من غيرنا وأن يكون واجب الدفاع عنها أوجبَ علينا منه على غيرنا وأن نكون أقوى سدٍّ وأمنع حصنٍ لجنابها الشريف من تعدي ووقيعة المفسدين ومن تطاول وإساءة المفترين.

فإن لها رضي الله عنها من خصائص التفضيل بعدما جاءت بطهارتها آيُ التنزيل عَلَمًا شامخًا ومجدًا باذخًا, ما علاه كبيرُ أحدٍ من السادة الأخيار, ولا حازه أكثرُ ذوي الأقدار، فكثير من فضائلها (رضي الله عنها) قد ثبتت بالأسانيد الصحيحة, وتزيَّنَت بعاطر سيرتها دواوين الإسلام, وتوثَّقت بعروتها كتب الحديث المعتبرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم.

ومن ذلك ما أخرجه البخاري أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعث عمار بن ياسر وابنه الحسن بن علي رضي الله عنهما للبصرة فقدما الكوفة فصعدا المنبر، فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه وقام عمار أسفل من الحسن وكان عمار يقول عن عائشة حينها: (والله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة).

وغير ذلك من فضائلها الجليلة ومناقبها الكريمة, وإنما قصدنا لنغترف هذا الخبر خاصة من بحر فضائلها وأن نقتبس جذوةً من شمس مناقبها لحكمة لطيفة, منها أنه خبرُ عمار بن ياسر في محضر الحسن بن علي رضي الله عنهم أجمعين, وأنه خبرٌ قاله عمار (رضي الله عنه) المبعوث من علي (رضي الله عنه) - سيد آل البيت - أيام خلافته وخلافة من قبله من الخلفاء الراشدين, وأنه بيانٌ لفضلها ومكانتها في الدنيا والآخرة.

وإن أمَّة الإسلام كلها (وفي مقدمتهم آل البيت) قد أجمعوا على أن أم المؤمنين الصديقة عائشة بنت أبي بكر الصديق (رضي الله عنها وعن أبيها) سيدةٌ من سيدات هذه الأمَّة, اختارها الله تعالى لنبيه, فهي زوجته في الدنيا والآخرة, واعتقدوا لها واجبَ التعظيم والإجلال والتوقير, لمكانتها من قلب رسول الله وحبّه, ولإيمانها وتعبّدها وتألّهها, ولفقهها وعلمها, ولرَفْعِ الله تعالى قدرَها بتبريئها في قرآن يُتلى إلى قيام الساعة.

ومما يشهد لحفظ آل البيت حقَّ أمهم عائشة الصديقة (رضي الله عنها) ورعايتهم غايةَ الرعاية لواجبها الخاصِّ عليهم: قصصٌ جليلةٌ وأخبارٌ كثيرة, أرّخها التاريخ ووعاها الرواة.

ومنها خبر لأحد أكابر سلالة سيد شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله وأهل بيته وأمته الحسن بن علي رضي الله عنهما وهو السيد الحسن الملقب بالداعي الكبير بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما مؤسِّس دولة آل البيت العلويين بطبرستان ونواحيها سنة ٢٥٠هـ فقد سطَّر موقفًا من مواقف الكرم والوفاء والإيمان في الذبِّ والدفاع عن عرض وجناب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وذلك فيما رواه اللالكائي وغيره عن أبي السائب عتبة بن عبد الله الهمداني قال: (كنت يومًا بحضرة الحسن بن زيد الداعي بطبرستان وكان يلبس الصوف ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويوجه في كل سنة بعشرين ألف دينار إلى مدينة السلام يفرق على سائر ولد الصحابة، وكان بحضرته رجل، فذكر عائشة بذِكرٍ قبيح من الفاحشة، فقال: يا غلام اضرب عنقه، فقال له العلويون: هذا رجل من شيعتنا! فقال: معاذ الله! هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم}، فإن كانت عائشة خبيثة فالنبي صلى الله عليه وسلم خبيث (حاشاه صلى الله عليه وآله وسلم) فهو كافر فاضربوا عنقه فضربوا عنقه وأنا حاضر).

<<  <  ج: ص:  >  >>