للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول الثاني: إنه يكره له الانتفاع بهذه الخدمات بدون مقابل (١).

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: إن هذه المنافع والخدمات مشتركة يستفيد منها الطرفان - المقرض والمقترض - وربما تكون مصلحة المصرف فيها غالبة بل أساسية، وذلك أنه بإصدار الشيكات وبطاقات السحب الآلي يخفض من نسبة التكاليف وعدد الموظفين الذين يحتاجهم في القيام بأعماله مثل تحرير أوامر السحب النقدي وتنفيذها، وتحرير المستندات التي يسحب بها العميل بعض ماله أو كله، واستخدام الشيك يوفر عليه كل ذلك.

وكذلك فإن المصرف بإصداره لهذه الشيكات والبطاقات يقلل من استخدام العملاء المباشر للنقود الورقية، مما يوفر لديه سيولة نقدية ورقية يستفيد منها باستثمارها وبتسيير عملياته المصرفية، إضافة إلى أنه يحافظ على هذه النقود من السرقة والتزوير، وذلك بتقليص تداولها، كما أنه يقلل من عناء عدها ونقلها وحفظها.

الدليل الثاني: إن هذه المنافع والخدمات هي وسيلة لوفاء المصرف للقروض التي يقترضها، وليست منفعة منفصلة عن القرض؛ حيث إنه مطالب بسداد القروض لكل مقرض متى طلب ذلك.

دليل القول الثاني:

إن المنافع التي يحصل عليها صاحب الحساب الجاري بدون مقابل ذات صلة قوية بسداد الدين والوفاء به؛ فتكون مكروهة، وأقل ما يقال فيها إنها شبهة، وقد تكون ذريعة إلى الوقوع في الحرام.

ونوقش بأن هذه المنفعة مشتركة بين الطرفين، بل إن منفعة المقترض (المصرف) أظهر، وقد أجاز بعض العلماء المنفعة في القرض إذا كانت مشتركة للطرفين، كما في مسألة السفتجة (٢)، والله تعالى أعلم.

٣ - الانتفاع بالأسعار المميزة لبعض الخدمات:

قد تعطي بعض المصارف لعملائها أو لبعضهم أسعاراً مميزة لبعض الخدمات؛ كالسكن في الفنادق، أو شراء بعض السلع، ونحو ذلك؛ فإذا كانت هذه المنفعة للعميل دون غيره، ولم يكن للمصرف منفعة في بذلها سوى القرض؛ فإنه يتوجه القول بتحريمها؛ لأنها منفعة للمقرض لا يقابلها عوض سوى القرض، وهي وإن لم تكن مشروطة إلا أنها واقعة قبل الوفاء بسبب القرض.

ومثل ذلك أن تنص تعليمات المصرف وأنظمته على نسبة معينة من الربح - قد تحددها إدارة المصرف - في نهاية كل دورة مالية، أو جوائز بالقرعة، أو أولوية في الحصول على قرض من المصرف؛ فإن هذه المزايا لا تخلو من شبهة الربا، وخاصة إذا كانت معانة مسبقاً على أساس ثابت مؤكد (٣)، وجوائز المقرضين إذا كانت معروفة تكون كأنها مشروطة؛ فلا تجوز مطلقاً (٤).

٤ - الانتفاع بشهادة المصرف بملاءة صاحب الحساب:

الذي يظهر أن هذه الشهادة من المصرف هي إخبار عن حال العميل وواقعه من خلال تعامله مع المصرف عن طريق الحساب الجاري بصفته - أي المصرف - المصدر لهذه المعلومات؛ فالذي يظهر أنه لا مانع من انتفاع صاحب الحساب بهذه الشهادة، والله تعالى أعلم.

٥ - الانتفاع بتنظيم الحسابات وضبطها:

هذه المنفعة هي منفعة آلية تأتي تبعاً لإجراءات المصرف في ضبط حساباته وتنظيمها وتوثيقها، بدليل أن هذه قد لا تكون حاضرة أحياناً قبل أن يطلبها العميل كما في الكشف المختصر للحساب؛ فالذي يظهر أنه لا مانع من الانتفاع بهذه الخدمة بدون مقابل.

٦ - الانتفاع بأخذ الفوائد المشروطة أو ما في حكمها:

يحرم أخذ هذه الفوائد، سواء أكانت مشروطة أم معروفة؛ إذ المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، والمعروف بين التجار كالمشروط فيما بينهم، وعليه فهذه الفوائد زيادة مشروطة أو في حكم المشروطة في بدل القرض للمقرض فهي ربا محرم دلت الأدلة على تحريمها (٥).

ثانياً: من الآثار المترتبة على تكييف الحسابات الجارية بأنها قروض:

يترتب على القول بتكييف الحسابات الجارية على أنها قروض بعض الآثار والثمرات، من أهمها:

١ - أن ضمان تلك المبالغ في الحسابات الجارية هي على المصرف كذلك (المقترض) (٦)، ويمثله المؤسسون والمساهمون؛ لأنها مملوكة له، والقاعدة الفقهية المشهورة أن (الخراج بالضمان)، وأن (الغنم بالغرم).

٢ - إذا أفلس المصرف فليس للمودع أن يدخل في التفليس على أنه مالك للوديعة وتكون له الأولوية، بل على أساس أنه دائن عادي يخضع لقسمة غرمائه (٧).

هذا ما تيسر جمعه وتحريره، إن كان من صواب فمن الله _تعالى_ هو الموفق له، وإن يكن من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان، وأنا راجع عنه، وأستغفر الله.


(١) ينظر: تحول المصرف الربوي إلى مصرف إسلامي، سعود بن محمد الربيعة (ص١/ ١٩٩)، نقلاً عن عبد الله العمراني في رسالته المنفعة في القرض (ص٣١٥).
(٢) ينظر: مجموع الفتاوى ٢٩/ ٤٥٦.
(٣) ينظر: المصارف الإسلامية، د. رفيق يونس المصري (ص١٨).
(٤) مجلة المجمع ٩/ ١/٩٠٠ (مناقشة د. الصديق الضرير).
(٥) ينظر: الحسابات الجارية، د. مسعود الثبيتي (مجلة المجمع ٩/ ١/٨٣٩،٨٤١)، المنفعة في القرض (ص٣٢١).
(٦) ينظر: مجلة المجمع (٩/ ١/٧٨٢، ٨٠٣، ٨٨٣)، وينظر نص القرار.
(٧) ينظر: الربا والمعاملات المصرفية، للمترك (ص٣٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>