للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الخامس: الأحكام والآثار المترتبة على تكييف الحسابات الجارية بأنها قرض.

الخلاف السابق في تكييف الحسابات الجارية يترتب آثار وثمرات عملية مهمة، تدل على أهمية الموضوع وأهمية صرحه والبحث فيه، ومن ذلك:

أولاً: أحكام المنافع العائدة من فتح الحساب الجاري:

إذا دفع صاحب المال نقوده إلى المصرف فإن الأخير تلقائياً يفتح لصاحب المال حساباً جارياً، تتم عن طريقه المعاملات التي تكون بين الطرفين، ويترتب على فتح الحساب الجاري منافع منها ما يرجع إلى المصرف (المقترض)، ومنها ما يرجع إلى صاحب الحساب (المقرِض)، ومنها ما يرجع إليهما.

(أ) المنافع العائدة إلى المصرف (المقترض):

١ - استثمار أموال الحساب الجاري:

من المعلوم أن المصرف بمجرد استلام المال من العميل يقوم بخلطه مباشرة بالأموال الموجودة لديه، وبناءً على أن هذه الأموال هي في الواقع قروض؛ فإن للمصرف حق التصرف فيها بموجب هذا العقد، بناء على أن عقد القرض ينقل الملكية إلى المقترض؛ إذ إن المقصود من القرض استهلاكه والانتفاع به، وبالتالي فإن المنافع العائدة من استثمار هذا القرض هي للمصرف دون أن يكون للمقرض منها شيء (١).

ويترتب على هذا أن للمصرف الاستفادة من مجموع الأموال التي آلت إلى ملكيته من مجموع الحسابات الجارية في توليد الائتمان أو ما يسمى بـ (خلق الودائع)، وهذا ناتج عن طبيعة عمله واستثماره لمجموع القروض.

٢ - أخذ عمولة (٢) مقابل الخدمات التي يقدمها لصاحب الحساب:

يترتب على فتح الحساب الجاري أن يقدم المصرف بعض الخدمات أو الأعمال في نطاق المعاملة بينهما؛ كإصدار دفتر الشيكات، وبطاقة السحب الآلي، وكشف بالأعمال التي قام بها صاحب الحساب، وغيرها من الخدمات، ومن المصارف ما يأخذ مقابلاً لهذه الخدمات، والذي يظهر - والله تعالى أعلم - أنه لا مانع من أخذ مقابل لهذه الخدمات على أنها أجرة لما يقدمه المصرف من أعمال.

(ب) المنافع العائدة على صاحب الحساب الجاري (المقرِض):

١ - منفعة حفظ ماله وضمانه: الغرض الأساسي من تعامل غالب الناس مع المصارف عن طريق الحسابات الجارية أنهم يريدون حفظ أموالهم وضمانها بإقراضها للمصرف، ومن ثم استرجاعها أو بعضها عند الحاجة إليها، وقد تقدم فيما سبق بحثه أن إقراض الشخص ماله لآخر بقصد الحفظ يجوز ولا إشكال فيه، كما في قصة الزبير _رضي الله تعالى عنه_.

وأما مسألة قصد أن يكون المال مضموناً فإن الضمان أثر من الآثار المترتبة على عقد القرض ساء قصده المقرض أم لم يقصده، والله أعلم.

٢ - الحصول على الخدمات التي يقدمها المصرف؛ كدفتر الشيكات وبطاقة السحب الآلي وغيرها:

البحث هنا في مسألة الاستفادة من هذه الخدمات إذا كانت بدون مقابل؛ حيث سبق أنها إذا كانت بمقابل فإنها تأخذ حكم الإجارة، ولا يظهر في هذا إشكال.

وأما إذا كانت بدون مقابل، فهل يجوز الاستفادة منها؟

جرى الخلاف في هذه المسألة على قولين (٣):

القول الأول: إنه يجوز لصاحب الحساب الجاري الانتفاع بدفتر الشيكات وبطاقة السحب الآلي بدون مقابل (٤).


(١) ينظر: المنفعة في القرض، عبد الله العمراني (رسالة ماجستير غير منشورة) (ص٣١١).
(٢) العمولة اصطلاح متداول في المصارف، ويقصد به ما يأخذه المصرف نظير عمل من أعماله، ويقابله في الاصطلاح الفقهي أجرة أو جعالة، ويلاحظ أن لفظة عمولة غير صحيحة لغة، ولم يرد هذا الاشتقاق في القواميس، والصحيح (عمالة) بضم العين أو كسرها، ومعناها: رزق العامل.
ينظر: دراسة شرعية لأهم العقود المالية المستحدثة ٢/ ٢٥٦ (الهامش).
(٣) ينظر: المنفعة في القرض (ص٣١٥).
(٤) ينظر: مجلة المجمع ٩/ ١/٧٣٤،٧٣٥ (بحث د. محمد القره داغي)، الربا والمعاملات المصرفية، د. عمر المترك (ص٣٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>