للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن المعلوم أن الغاية من إقراض مال اليتيم الرفق باليتيم لا بالمقترض، ومصلحة اليتيم لا مصلحة المقترض، والمراد والمقصود الإيداع والحفظ غير أن الوديعة لا تضمن؛ ففضل الإقراض لغني أمين حتى يحفظ المال لصالح اليتيم لا لصالح الغني (١).

وبهذا يتبين أنه لا يشترط في القرض أن يكون إرفاقاً من غني لمحتاج، وإن كان الأصل فيه كذلك.

الإشكال الثاني: إن اعتبار مال الحساب الجاري قرض يترتب عليه بعض الصعوبات في إخضاع استعمالها وسيلة دفع وأداة وفاء من الناحية الشرعية، ومن ذلك (٢):

١ - أنه لا يجوز لصاحب الحساب الجاري أن يشتري بضاعة مؤجلة - أي سلماً - ويكتب لصاحب البضاعة شيكاً بالثمن على المصرف؛ لأنه يؤدي إلى بيع الكالئ بالكالئ؛ فيبطل الشراء.

٢ - أنه لا يجوز لصاحب الحساب الجاري أن يهب شيئاً من مال حسابه الجاري لشخص ثالث؛ لأنه من هبة الدائن للدين الذي يملكه في ذمة شخص آخر؛ فالهبة باطلة عند من يرى من الفقهاء أن قبض الموهوب له المال الموهوب شرط في صحة الهبة.

ويمكن أن يجاب عن هذا الإشكال: بفرعيه بأن ما ذُكِر غير مسلّم، وبيان ذلك أن صاحب الحساب الجاري إذا اشترى بضاعة مؤجلة (سلماً) وكتب لصاحب البضاعة شيكاً فقبله كان ذلك بمنزلة تسليمه الثمن نقداً، وذلك أن العرف المصرفي مضى على صرف الشيك فوراً إذا كان مستوفياً لشروطه، وكذلك الحال بالنسبة للهبة؛ فإذا وهب إنسان ماله في حسابه الجاري إلى غير مدينه - المصرف - وحرر شيكاً للموهوب له ورضي به فقد تم القبض (٣)، وقد سبق أن القرض يثبت في الذمة حالاً، وأن للمقرِض المطالبة ببدله في الحال كسائر الديون الحالّة (٤).

الإشكال الثالث: استخدام مال الحساب الجاري كرهن أو ضمان.

عند الجمهور أن المرهون يجب أن يكون عيناً متقومة يجوز بيعها؛ فلا يجوز رهن الدين (٥)، وبناء على هذا فلا يجوز استخدام مال الحساب الجاري كرهن أو ضمان؛ لأنه دين لصاحب الحساب في ذمة المصرف.

قال الدكتور الصديق الضرير - أثابه الله تعالى -: "لا أتصور رهن وديعة حسابية من صاحب الوديعة؛ لأن هذا مقرض والمقرض يخرج المال عن ملكه، ويكون في يد المقترض فلا محل لرهنه" (٦).

الإشكال الرابع: من المعلوم أن صاحب الحساب الجاري يمكنه أن يسحب من المال الذي في الحساب في أي وقت، بل قد يسحب جميع المال في وقت واحد، والمال المسحوب ليس هو عين ماله الذي أقرضه للمصرف، فإذا ما سحب جزءاً من المال مثلاً؛ فهل المال الذي يسحبه من الحساب هو استرجاع للمال الذي أقرضه للمصرف أو لجزء منه، أم أنه قرض جديد اقترضه هو من المصرف بعقد آخر؟

هذه المسألة تحتاج إلى نظر لما يترتب عليها من ثمرات، وهي مطروحة هنا للمناقشة.

الإشكال الخامس: إذا أدخل شخص مالاً جديداً في حسابه الجاري؛ فهل هذا المال عقد قرض جديد بينه وبين المصرف، أو هو ملحق بالعقد الأول؟

الإشكال السادس: إذا أدخل شخص مبلغاً من المال في حساب شخص آخر؛ فهل هذا المبلغ يعد قرضاً للمصرف، أم أن المصرف وسيلة للوفاء فقط؟ وإذا قلنا إنه قرض من صاحب الحساب؛ فهل يمكن أن يتم القرض إذا كان صاحب الحساب لا يعلم بدخول المال في حسابه؟


(١) ينظر: حكم ودائع البنوك .. ، د. علي السالوس (ص٦٠).
(٢) ينظر: الودائع المصرفية، للأمين (ص٢٣٧، ٢٣٨)، المصارف الإسلامية، للهيتي (ص٢٦٣).
(٣) ينظر: الودائع المصرفية، للحسني (ص١٠٥)، دراسة شرعية لأهم العقود المالية المستحدثة، د. محمد مصطفى أبوه الشنقيطي (١/ ٢٨٢).
(٤) ينظر: ص من هذا البحث.
(٥) ينظر: بدائع الصنائع (٥/ ١٩٥)، بداية المجتهد (٢/ ٣٢٩)، الغاية والتقريب (ص٢٩)، المنثور في القواعد (٣/ ١٣٩)، المغني (٦/ ٤٥٥)، كشاف القناع (٣/ ٣٢١).
(٦) مجلة المجمع (المناقشات) ٩/ ١/٩٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>