لمَّا أَجَلْتُ نظرةً عجلى في (الفيس بوك) خَطَر بِبالي أنه لا داعيَ لثني الرَّكَبِ عند العُلَماء، وتضييعِ العُمُرِ بِحِفْظِ النُّصوصِ وَفَهْمِهَا، ومِنْ ثَمَّ جَرْدُ المُطَوَّلات، المسألةُ أسهلُ بكثير: فقط افتحْ حسابا هناك .. ، بعد ذلك تَمَتَّعْ بِقَدرٍ من الصفاقة، وفيضٍ من الوقاحَةِ، واجعلْ لحومَ الأكابرِ مضغةً في فَمِك، ولا تنسَ بأن تُرَدِّدَ أنَّ شطرا طويلا من عُمُرِكَ -الذي لم يتجاوزْ الثلاثين بعدُ-: خُدِعْتَ بالسَّلَفية، وأنَّ الدعوةَ الوهابيةَ سلبياتُها أكبرُ من إيجابياتِها، وفي خِضَمِّ ذلك الانتِشاء بالتنظير؛ اكتبْ مَقَالا بِعُنوان:(رحلتي من السَّلَفيةِ الضَّيقةِ إلى الإسلامِ الأرحب)، حاولْ أن تورد فيه اسمي مارتن لوثر وكالفِنْ، وطعِّمِ المقالَ بنقولٍ عن الأئمة: ابن حزم وابن تيمية ... بعد هذا ستلقى من يُبَجِّلُك ويراك مظلوما في عصرك، وأن لديك من الأفكارِ ما يَسْتَحِقُّ الإشادَةَ والقِرَاءَةَ، سَتَلقى مَن يَظُنَّك أبو حامد الغزالي الذي غَرِقَ في بحر متلاطمٍ من الفَلسَفَة، لن يَعْلَموا أنَّ قُصَارى قِراءاتِك لم تتجاوزْ رواياتِ علاء الأسواني، وإحدى روايات دان براون، ثم وَجَدتَّ الطريق قصيرا نحو التَّصَدُّرِ والتَّنظيرِ ..
ما معنى أن تُطلق العباراتُ المفتوحةُ مصحوبةً بتأوهات، من نوع: الحريةِ، الفكرة الجديدة، امتداح القلق الفكري والحيرة، ...؟ .. وإذا ما استُوقِفَ أحدُهم فَزِعَ من التطرف الذي يغرق فيه المجتمع، تساءلت كثيراً، كيف استطاع أن يكون دقيقا في تعبيره، متقعرا في استخراج نوايا المحتسبين، ثم إذا جاء الحديث عن المشاريع النهضوية المترجمة رأيت عباراتٍ مجملة، وحديثا فارغا حول النظر للكأس الفارغ والملآن، ونسبية الحقيقة .. ، كان أضرابُ هذا الفتى قبلَ سنين عندما يقع في ذنبٍ يستشعرُ التقصير ويستغفر الله الكريم، الآن جاء من يقول له: إن جميع ما تشتهي أن تفعله لا يعدو أن يكون قولا شرعيا معتبرا، طبعا ما لم يصل لحدِّ الإلحاد...!، كان يُقالُ له: الاستقامةُ هي التمسكُ بالهدي المحمدي ظاهرا وباطنا فاستقم كما أمرتَ، فجاء من يقول له: فاستقم كما أردتَ، ومالم تردْه فأنت في النهاية موافق لبعضِ الأقوال الفقهية، لا أدري من أين جاءت قاعدة [خذ بالأيسر -مطلقا! - ما دمنا في عصر العولمة]، ولا أعلمُ أن من وسائل الدعوة الصحيحة تقليمَ بعضِ الأوامرِ الشرعيةِ التي تتعارضُ مع رغبةِ المدعوين أثناء تكالب الفتن.
أخيرا بقي أن أقول:"حين يتحدث من لا تود عن فوائد التنفس لا تمتْ مختنقا" فلسنا في مقام تنزيه مجمل الخطاب عن الزلل أو التقصير، ومن الخطأِ المخالفِ للشرعِ والعقلِ أن يَسْتَخِفَّنا الذين لا يوقنون عن تَتِمَّة مَكامِنِ النَّقْص، فمن الذكاءِ الفرحُ بأيِّ ابتداراتٍ أمينة تسعى لسدِّ هذه الثغرة أو تلك، وتستبطن تمديد الخطاب الشرعي لا تحديده، وتعظيم النص لا تقزيمه، إننا على اعتراف تامٍ بوجود أخطاء تستلزم التصويب والتقويم، لكن رَاعَنا من أراد إزالة الذبابة الصغيرةَ بالفأس الحاد، فَنَزَعَ الفَسَائِلَ واقتلع الجذور، فحاجتنا الماسَّة للنقد لا تلغي عقولنا ومداركَنا الشرعية لقبولِ أيِّ نقد...، ومن المهمِّ لمسألةِ معالجة الأخطاء هذه أن تفردَ لها الأحاديثُ الخاصة، وتُعْقَدُ لها وُرَشُ العمل، لكني أردت هنا الإشارة الخاطفة لئلا يُظَنَّ أن الدافعَ وراء المقال العزوفُ عن المعالجة، وادعاءُ الكمال.