وفي غضون السنين الأخيرة تفاقمتْ حِدَّةُ الناقمين على العلماء عامَّةً والمفتين خاصَّةً المعروفين لدى كافَّة الناس أجمعين. فنبتت نابتةُ ثوارٍ إصلاحيين من: منافقين مفسدين (ممن في قلوبهم مرض). وشرعيين متعالمين ليس لهم في العمق العلمي وِرْدٌ ولا صَدْرٌ. وشرعيين عالِمِين مُسْتغفَلين، يُستكتبون ويُستفتون، فتقع منهم موبقات حين يقصدون مجرد الإفتاء، بينما مُسْتغفِلُهم يقصد التوظيف الفكري لخدمة مُبَيَّتَاتِه فحسب.
إن العجب ليأخذ منك كل مأخذ حينما ينبري من كان أَحَبَّهم الناسُ لحبهم سنة النبي صلى الله عليه وسلم واشتغالهم بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن كان يترنَّم بآياتِ الذكر الحكيم، ومن كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ومن كان يدعو الناس إلى الخير، ومن كان يخطب خطبة تسير بها الركبان، ومن كان يلقي درسًا أو محاضرة يحتشد لها الألوف ثم يعلن عن منهجِ حِقْبةٍ جديدةٍ، ومسلكِ إصلاحٍ قادمٍ وخطابٍ تجديديٍّ متناغمٍ مع ما يُراد عالميًّا ومحليًّا.
مَنْ مِنَ الناس لا يهوى الإصلاح والتجديد في زمن فُشُوِّ الفساد والركود!!. لكن بكل خيبة أمل، لم تكن أطروحاتهم الإصلاحية الثائرة سوى الهجوم على الفتاوى السائدة، والمنهجِ الذي ارتضع الناسُ لَبَانَه، واقتنعوا بصحته بالدليل والبرهان، عنوانه: "ما أنا عليه وأصحابي".
إنك لا تكاد تبصر في مقالاتهم نور الوحيين، ولا تقرأ فيها آيةً أو سنةً، بل يكررون ذات المضامين الليبرالية، لكنْ المتحدثُ الرسميُّ بها "شخصيةٌ ذاتُ صبغةٍ شرعيةٍ"؛ لعلها تحقق الغرض الذي عجز عنه أساطينُ الحرية والعلمنة.
إنني لست ألج باب النوايا، فلعلها حسنة، ولكني آسى على الاستغفال الكُبَّار لهؤلاء الشرعيين حينما يكونون أدواتٍ بأيدي المفسدين (الإصلاحيين زعموا)!.
إن المجتمع المحافظ على دينه، المستمسك بكتاب ربه، لما رفض الأفكارَ الفَجَّةَ التي تُسمّى "إصلاحية"، عمد المفسدون إلى أسلوب إلباسِها اللُّبوسَ الشرعي، بتسخير مَنْ يتَتَبع المتشابهاتِ ابتغاءَ الفتنة (منهج الذين في قلوبهم زيغ)، والإعراضِ عن المحكمات (منهج الراسخين في العلم).
إن المفسدين في الأرض باتوا ورقةً مُهْتَرِئَةً، صَكَّت الناسُ آذانَها عن سماع ضجيجهم وفحيحهم، فلجؤوا إلى التترس ببعض الشرعيين؛ لعل فتوىً شاذةً من هنا، أو هجومًا كاسحًا على العلماء من هناك، يجدي فتيلا في تزهيد الناس في تلقي ثوابته الدينية التي تقف صخرة شماء تنكسر عندها قرون الناطحين لها.
يا ناطحًا جبلاً يومًا لِيُوهِنَهُ أَشْفِقْ على الرأس لا تُشفق على الجبل
إن مما يبتهج به فريقُ حملة المشروع الإصلاحي المفسِد أو المستغفَل أن ثورة المعلومات أحدثت هِزَّةً بل زلْزلةً في القيم والعادات، أكانت هزةً حميدةً أم خبيثةً؟ ليس مُهمًّا عندهم، المهم الثورة على السائد. هؤلاء الثوّار أَرْغَوا وأزْبَدوا على الفتاوى السائدة، يا وَيْحَها!! لِمَ لا تحكي الخلافَ الفقهي؟! لماذا تُلْغِي الرأيَ الآخرَ بغير سبب يُوجب الإلغاء؟. وما أدراهم بأنه لا سبب يوجب الإلغاء؟!
عَجَبٌ ما ينقضي منه العجب!! يريدون عَرْضَ الفتاوى لعامة الناس على طريقة "الفقه المقارن"، تلك المادة التي يستصعبها كثيرٌ من طلاب الجامعات. وكأن المطلوبَ تعليمُ العوام وتدريبُ المستفتين وفق منهج "بداية المجتهد ونهاية المقتصد".