للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم يغالط ذاك المأفون هذيانه السابق فيزعم أن ابن تيمية يقرر أن جميع البشر إلى الجنة (١).

وكذا ما ادَّعاه أحد المتعثرين المتقهقرين من أن ابن تيمية ليس له أي دراسة لكتب المنطق والفلسفة (٢).

والحال المذكور آنفاً وإن كان يحكي سفهاً وحمقاً، وجهلاً كثيفاً، إلا أنه يكشف نوعاً من عوارض «الإسقاط»، أو كما في المثل السائر: «رمتني بدائها وانسلَّتِ».

ومن المغالطات الخفية ما تفوَّه به أحد المشايخ «العصريين» قائلاً:

«شيخ الإسلام متسامح جداً؛ يقول بتهنئة أهل الكتاب وتعزيتهم، وعيادتهم إذا كانوا مرضىً، وهذا اختيار شيخ الإسلام، كما قال البعلي» (٣).

وادَّعى أيضاً أن الجهاد عند ابن تيمية لأجل العدوان وليس لأجل الكفر (٤).

إن العبارة الأُولَى لا تنفك عن إيهام ومغالطة، وبالرجوع إلى الاختيارات الفقهية للبعلي، نجد أن المقام بشأن أهل الذمة خصوصاً، الذين تجري عليهم الشروط العُمَرِية وما تحويه من الذل والصغار و «الغيار» على أهل الذمة، وليس جميع أهل الكتاب مطلقاً؛ فالكافر قد يكون ذمياً، أو معاهَداً، أو مستَأمَناً، أو محاربِاً، كما أن عيادتهم وتعزيتهم جائزة إن كان يُرجى إسلامهم، ثم إن البعلي حكى اختلاف كلام ابن تيمية في ردِّ تحية الذمي، وهاك العبارة بتمامها «واختلف كلام أبي العباس (ابن تيمية) في ردِّ تحية الذمي، هل تُردُّ بمثلها أو: وعليكم فقط؟ ويجوز أن يقول: أهلاً وسهلاً. ويجوز عيادة أهل الذمة، وتهنئتهم وتعزيتهم، ودخولهم المسجد للمصلحة الراجحة؛ كرجاء الإسلام. قال العلماء: يعادُ الذمي، ويُعرَض عليه الإسلام» (٥).

والشيخ المذكور يقول: (مشكلة الناس أنهم يقرؤون «اقتضاء الصراط المستقيم» ولا يقرؤون «الاختيارات الفقهية»).

ولا موجب لهذا الامتعاض، وافتعال هذه الإشكال؛ فالجميع كلام ابن تيمية، والمتعيَّن أن يُنظَر في جميع تقريراته، بل إن تقريراته في «الاقتضاء» أوثق وآكد من تقريرات واختيارات يكتنفها فَهْمُ من جَمَعَها وصنَّفها، كالبعلي.

وبالجملة فإن بتر النصوص، وإهمال بعضها ليس «ترشيداً» - كما يقصد الشيخ المذكور - بل هو «تشريد»، وبعثرة للنصوص، وتفريق لها.


(١) ينظَر: منصور النقيدان، موقع إيلاف: ٢٢/ ٧/٢٠٠٧م.
(٢) ينظَر الدراسة الرائعة التي سطرها عبد الله الهدلق بعنوان: «الهادي والهاذي» في الرد على شغب «السرحان».
(٣) انظر: مقابلة مع الشيخ عبد الله بن بية في مجلة الإسلام اليوم، عدد ٦٧.
(٤) انظر: مقابلة مع الشيخ عبد الله بن بية في مجلة الإسلام اليوم، عدد ٦٧.
(٥) الاختيارات الفقهية، ص ٣١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>