للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومجاراةً للشيخ ومريديه في الاحتفاء بالبعلي؛ فإن البعلي اختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية، واختصر اقتضاء الصراط المستقيم، وأسوق بعض ما جاء في مختصر الفتاوى المصرية: «وليس لأهل الذمة إظهار شيء من شعار دينهم في ديار المسلمين، وليس للمسلمين أن يُعِينُوهم على أعيادهم، لا ببيع ما يستعينون به على عيدهم، ولا بإجارة دوابهم ليركبوها في عيدهم؛ لأن أعيادهم مما حرَّمه الرسول صلى الله عليه وسلم. وأما إذا فعل المسلمون معهم أعيادهم مثل صبغ البيض، وبخور، وتوسيع النفقات، فهذا أظهر من أن يحتاج إلى سؤال، بل قد نصَّ طائفة من العلماء من أصحاب أبي حنيفة ومالك على كفر من يفعل ذلك، ولو تشبَّه المسلم باليهود أو النصارى في شيء من الأمور المختصة بهم، لَنُهِي عن ذلك باتفاق العلماء، بل ليس لأحد من المسلمين أن يخصَّ مواسمهم بشيء مما يخصونها به؛ ومن فعل ذلك على وجه العبادة والتقرُّب به، فإنه يُعرَّف دين الإسلام، وأن هذا ليس منه، بل هو ضده، ويستتاب منه، فإن تاب وإلا قُتِل. وليس لأحد أن يجيب دعوة مسلم يعمل في أعيادهم مثل هذه الأطعمة، ولا يحل له أن يأكل من ذلك» (١).

وأمر آخر فيما يخص التهنئة - التي هي محل خلاف - فيما ليس متعلقاً بأعيادهم وشعائرهم المختصة بهم؛ فتهنئة الكفار بأعيادهم حرام بالاتفاق، بل قد لا يسلم صاحبها من الكفر كما قرره ابن القيم تلميذ ابن تيمية (٢)، بل قال العلاَّمة ابن عثيمين: «التهنئة بالأعياد؛ فهذا حرام بلا شك، وربما لا يَسْلَم الإنسان من الكفر؛ لأن تهنئتهم بأعياد الكفر رضاً بها، والرضا بالكفر كفرٌ، ومن ذلك تهنئتهم بما يسمى عيد «الكريسمس» أو عيد «الفصح» أو ما أشبه ذلك» (٣).

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية: «لا يجوز للمسلم تهنئة النصارى بأعيادهم؛ لأن في ذلك تعاوناً على الإثم، وقد نهينا عنه، قال - تعالى -: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ والْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢]، كما أن فيه تودداً إليهم، وطلباً لمحبتهم .. وهذا لا يجوز، بل الواجب إظهار عداوتهم» (٤).

ودعوى أن الجهاد عند ابن تيمية لأجل المحاربة والعداون، وليس لمجرد الكفر، فهذه دعوى مردودة مكذوبة، والرسالة المنحولة لابن تيمية في ذلك لا تصح ولا تثبت، كما حرره جملة من العلماء والمحققين كابن قاسم (٥)، وابن مانع في رسالة خطية بعثها إلى الشيخ ابن سحمان سنة ١٣٤٠هـ (٦)، بل صنَّف الشيخ سليمان بن حمدان سنة ١٣٨٢هـ كتاباً مستقلاً يزيد على مائة صفحة في الردِّ على هذه الرسالة المزعومة، وسمى كتابه بـ: «دلالة النصوص والإجماع على فرض القتال للكفر والدفاع»، كما أن الذين سردوا مؤلفات ابن تيمية: كابن رشيق وابن عبد الهادي ونحوهما، لم يذكروا تلك الرسالة، بل إن هذه الدعوى منقوضة بتقريرات ابن تيمية في كتبه المعتمدة، ورسائله الشهيرة، كما في «الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح» (٧)، و «الصارم المسلول» (٨)، والصفدية (٩)، ومجوع الفتاوى ونحوها (١٠).


(١) مختصر الفتاوى المصرية، ص٥١٧، ٥١٨ = باختصار، وانظر اقتضاء الصراط المستقيم: ٢/ ٥١٥، وجامع المسائل: ٣/ ٣٧٤، والمستدرك على الفتاوى: ٣/ ٢٥٥، ومجموع الفتاوى: ٢٥/ ٣٢٥ - ٣٣١.
(٢) انظر: أحكام أهل الذمة لابن القيم: ١/ ٢٠٥، ٢٠٦.
(٣) الشرح الممتع: ٨/ ٧٥، وانظر: فتاوى العقيدة لابن عثيمين، ص ٢٤٦، وكتاب الأعياد المحدثة وموقف الإسلام منها لعبد الله المهنا.
(٤) ٣/ ٤٣٥.
(٥) انظر: مجموع الفتاوى: ٨/ ٥.
(٦) هذه الرسالة الخطية محفوظة في دارة الملك عبد العزيز بالرياض، رقم (٢٦٣).
(٧) ١/ ٧٥، (ط المدني).
(٨) ٢/ ٥١٤.
(٩) ٢/ ٣٢١.
(١٠) انظر: ٤/ ٢٠٥، ٢٨/ ٣٤٩، ٣٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>