للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان ذلك الأخ مقتنعاً بأنَّ لديه اطلاع جيد بالعلوم الشرعية بحجَّة ما قام بدراسته سابقا، وأنا شخصياً لم أجده بالفعل كما يقول، وحاولت محاورته وإقناعه بمرادي، وقلت له إنَّ كل نفس يعتورها ما يعتورك من ضرورة مطالعة الكتابات والأطروحات الفلسفية والفكرية المنشورة قديماً وحديثاً وما بين الفينة والأخرى، وقد تسَوِّغ النفس لأجل ذلك أسباباً متعددة .... لكن أحسب أنَّ لكل زمن رجال، ولكلِّ مرحلة أهلها، واستباق الأحداث والوقت غير المناسب لفعل شيء ما يضير أكثر ممَّا ينفع.

• قناعات بديلة:

أعتقد أنَّ من الأهمية بمكان، الصيرورة إلى توجيه العقول إلى ما يمكن أن تنتفع به ويكون ركناً ركيناً، وأصلاً أصيلاً في عمليَّة التلقي، وهو التركيز على قضية أحسب أنَّها ذات أولوية في صياغة وتشكيل العقل العربي والمسلم وفي هذا الزمان خصوصاً

تلك القناعة التربوية التي لازلت متشبِّثاً بها وصادحاً بها في مجامع الشباب المثقف، قائلاً:

وأين نصيب القرآن والسنَّة وكلام الصحابة والتابعين من مطالعاتكم؟

وهل حاولتم أن تجمعوا مثلا أقوال الصحابة في طرق النهضة بأمتنا؟ وتستخرجوها من مظانها من كتب الآثار والمسانيد وإسقاط ذلك على الواقع المعاصر؟

أو قمتم بجمع آثار التابعين في ضرورة التنمية الاجتماعية والحراك العملي الخدوم في المجتمع؟

وهل فتَّشتم في كتب سلفنا وآثارنا وتراثنا عن مظاهر التفكير الإبداعي وخدمة الأمَّة المسلمة فيه وخصوصاً من فئة الشباب؟

وهل طالعتم كتب التأريخ والسير والمغازي وجمعتم الأسباب الحقيقيَّة لالتهاء الشعوب بأمر دنياها وقيام قلَّة قليلة منها بمقاومة النتوءات الفكريَّة، والخروقات الثقافات، وماذا كان دور عموم الناس في مناصرة علمائهم ومفكريهم حينما يصدعون بالحق، وما أسباب وقوفهم من عدمه؟

إلى غير ذلك ممَّا يخدم أمَّتنا وواقعها الفكري المعيش، وخصوصاً حينما ندرك أنَّ (العمل الجوهري للمفكر هو صناعة المفاهيم) (١)، وهي الطريقة الفعليَّة للاستنباط من تلك النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الكثير من المفاهيم التي تهمنا في مجتمعنا بشتَّى اهتماماته.

وبالطبع كنت أجد الجواب مختلفاً بين ألسنة الشباب، ولكنّي وجدت إجماعاً واضحاً على التقصير بقراءة كتاب الله ومطالعة التفاسير لفهمه، وما في سنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم وما يمكن الاستعانة به من شروحات كتب الحديث لفهم معانيها.

ووجدت بعضهم وكأنَّ الأمر لا يعنيه، فهو يفهم القرآن وقد قرأه سابقاً لمرة أو مرتين، وقرأ الأربعين النووية وشيئاً من رياض الصالحين، ولكنَّ الأهميَّة الكبرى لديه الآن في مطالعة الكتب الفلسفية وغيرها من المفاهيم التي تتحدث عن الديناميكية والحيوية والارستقراطية والأتوقراطية والثيوقراطية والبيوقراطية والمادية الجدلية ونشأة الحضارة، وقراءة تاريخ الصناعة والعمران المدني إلى غير ذلك من اهتمام هو أكبر وأوثق من اهتمامهم بقراءة القرآن والسنَّة.


(١) كيف نفهم الأشياء من حولنا؟ كتاب الدكتور عبد الكريم بكَّار ص٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>