قال الإمام ابن حزم [الأحكام] (٥/ ٦٦٦): "المكثرون من الصحابة رضي الله عنهم فيما روي عنهم من الفتيا عائشة أم المؤمنين، عمر بن الخطاب، ابنه عبد الله، علي بن أبي طالب، عبد الله ابن العباس، عبد الله بن مسعود، زيد بن ثابت، فهم سبعة يمكن أن يجمع من فتيا كل واحد منهم سفر ضخم، وقد جمع أبو بكر محمد بن موسى بن يعقوب بن أمير المؤمنين المأمون فتيا عبد الله بن العباس في عشرين كتابا، وأبو بكر المذكور أحد أئمة الإسلام في العلم والحديث.
والمتوسطون منهم فيما روي عنهم من الفتيا رضي الله عنهم أم سلمة أم المؤمنين، أنس بن مالك، أبو سعيد الخدري، أبو هريرة، عثمان بن عفان، عبد الله بن عمرو بن العاص، عبد الله بن الزبير، أبو موسى الأشعري، سعد بن أبي وقاص، سلمان الفارسي، جابر بن عبد الله، معاذ بن جبل، وأبو بكر الصديق. فهم ثلاثة عشر فقط. يمكن أن يجمع من فتيا كل امرئ منهم جزء صغير جداً ويضاف أيضاً إليهم طلحة، الزبير، عبد الرحمن بن عوف، عمران بن الحصين، أبو بكرة، عبادة بن الصامت، معاوية بن أبي سفيان.
والباقون منهم مقلون في الفتيا لا يروي الواحد منهم إلا المسألة والمسألتان والزيادة اليسيرة على ذلك فقط يمكن أن يجمع من فتيا جميعهم جزء صغير فقط بعد التقصي والبحث وهم رضي الله عنهم .. ". وذكر أسمائهم.
أقول وكانوا أيضا يتدافعون الفتيا ورعاً وخوفاً من الله.
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "لقد رأيت ثلاثمائة من أهل بدر ما منهم من أحد إلا وهو يحب أن يكفيه صاحبه الفتوى " رواه الخطيب البغدادي في [الفقيه والمتفقه] (٢/ ٣٤٩) بسند صحيح.
وروى الإمام ابن المبارك (١٩) في [الزهد] بسند صحيح عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "أدركت عشرين ومائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أراه قال في هذا المسجد فما كان منهم محدث إلا ود أن أخاه كفاه الحديث ولا مفت إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا".
وروى أيضاً في [الزهد] (١٨) بسند صحيح أن ابن عمر رضي الله عنه، سئل عن شيء ", فقال: "لا أدري", ثم أتبعها، فقال: "أتريدون أن تجعلوا ظهورنا لكم جسورا في جهنم، أن تقولوا أفتانا ابن عمر بهذا"
هذا شأن الصحابة وكذلك من أتى من بعدهم من أهل العلم والفضل المشهود لهم بالإمامة في العلم والدين.
فهذا الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة يقول: "ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك "رواه الخطيب البغدادي في [الفقيه والمتفقه] (٢/ ٣٢٤) بسند صحيح.
وهذا إمام أهل السنة والجماعة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، قيل له: "يا أبا عبد الله: كم يكفي الرجل من الحديث حتى يمكنه أن يفتي؟ يكفيه مائة ألف؟، قال: لا، قيل: مائتا ألف؟ قال: لا، قيل: ثلاثمائة ألف؟ قال: لا، قيل: أربعمائة ألف؟ قال: لا، قيل: خمسمائة ألف؟ قال: أرجو "الخطيب البغدادي في [الفقيه والمتفقه]
(٢/ ٣٤٩)
وهذا ابنه عبد الله يقول عنه: "كنت أسمع أبي كثيراً يسأل عن المسائل فيقول لا أدري وذلك إذا كانت مسألة فيها اختلاف وكثير مما كان يقول سل غيري فإن قيل له من نسأل يقول سلوا العلماء ولا يكاد يسمي رجلاً بعينه" [مسائل أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله] (٤٣٨)
وكثيراً ما كنت أسمع شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله إلى قبيل وفاته إذا سئل عن مسألة يقول:"محل نظر، محل بحث"!
أقول وفي هذا رسالة لكل من تزبب قبل أن يحصرم، وطار قبل أن يريش فإلى الله المشتكى.