ما مضى هو الجواب الإجمالي عن الشبهة وهي تراوح حالاتهم بين الإسرار -وهو الأصل والغالب- وبين الإنكار أو الاعتذار أو ترك العقوبة لمانع راجح، أو الأمر بإنفاذها إذا استوفت شروطها وانتفت موانعها.
دعونا الآن ننتقل للجواب التفصيلي عن الآيات التي استدلو بها آية آية، والحقيقة أن المادة المستعارة في الرد على الشيخ البراك تضمنت (١١) آية، وهي كالتالي:
١ - الآية الأولى: يقول الكاتب: كانوا يصفون الصحابة بالسفهاء (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ).
الجواب: هذه الآية في سياقها ذاته نقيض ما احتجوا به، لنقرأ الآية في سياقها وننظر الآية التي تعقبها مباشرة: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ ** وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ).
فبين الله أنهم إذا لقوا الذين آمنو لم يظهرو مقالتهم هذه، بل يظهرون ضد ذلك، ولم يظهروا ضد ذلك إلا لأن الأمر ليس على سبيل الحرية.
٢ - الآية الثانية: يقول الكاتب: وكانوا يحرِّضون الكفار على مُجتمعهم، ويدعونهم لحرب المُسلمين: (أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) ..
الجواب: قبل أن نقرأ سياق الآية كنت أقول في نفسي: ألم يتأمل هذا المحتج ماذا يعني احتجاجه هذا؟! هذا يعني أنه لو وجدنا رجلاً يحرض أمريكا على غزو ديارنا واحتلال حقول النفط، أو يحرض إيران على العبث بأمن الحجيج في بلادنا، أورجلاً يتعاون مع الحوثيين ضد جنودنا في الجنوب، أو وجد إخواننا في حماس رجلاً يحرض الصهاينة على أهل غزة ويدعوهم لحربهم، الخ فإنه في كل ذلك لايجوز شرعاً معاقبة هذا المحرض والمؤلب على حرب المسلمين، بل يجب أن تحفظ له حريته، وهذا حق له لايجوز الاعتداء عليه! أي شرع هذا؟! وماهذا الاستنباط الذي يكفي تصوره لإبطاله!
يالله العجب كيف يذهل كثير من الكتبة عن نتائج خطيرة في سياق مشاحنتهم لأهل العلم والسنة، هذا الموضع فقط كافٍ لكشف التخبط العميق في تفسيرهم لآيات أفعال المنافقين.
المهم .. دعونا نعود للآية، وقصة هذه الآية أن نفراً من المنافقين انطلقوا إلى بني النضير ووعدوهم بنصرتهم ضد المسلمين، ففضح الله المؤامرة دون تعيين القائل ولاتسميته بل بقيت في القرآن مكتومة مطوية، فغاية مافي الآية مؤامرة كشفت أوصافها وليست حرية رأي!
٣ - الآية الثالثة: يقول الكاتب: وكانوا يكذبون على الله ورسوله: (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ).
الجواب: ماقاله الكاتب هاهنا هو عين مانريد إثباته، فقد كفانا إياه جزاه الله خيرا!، فنحن نقول أن المنافقين يظهرون بخلاف حقيقتهم، ويعتذرون لرسول الله أعذاراً يكذبون فيها، بل ويحلفون في هذه الأعذار كما ذكرت هذه الآية، فأذن لهم الرسول لما حلفوا له معاملةً لهم بظاهرهم، فبالله عليكم أي دلالة في اعتذار المنافقين على حرية الرأي المزعومة؟! بل هذا يفيد نقيض كلامهم وهو أن المنافقين لم يكونوا مجابهين بمصادمة الشرع بل يتدسسون ويعتذرون!