الجواب: واضح قطعاً أن الكاتب لم يراجع أي كتاب تفسير حين احتج بهذه الآية! ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما نقلت له مقالة المنافقين هذه قام بعملية تحقيق، واستدعى الأطراف المبلغ عنهم، لكن المنافقين أنكروا وجحدوا، روى البخاري في صحيحه قال:
(عن زيد بن أرقم قال: كنت في غزاة فسمعت عبد الله بن أبي يقول "لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله ولو رجعنا من عنده ليخرجن الأعز منها الأذل" فذكرت ذلك لعمي، أو لعمر، فذكره للنبي -صلى الله عليه وسلم- فدعاني فحدثته، فأرسل رسول الله إلى عبد الله بن أبي وأصحابه فحلفوا ما قالوا فكذبني رسول الله وصدقه، فأصابني هم لم يصبني مثله قط، فجلست في البيت، فقال لي عمي "ما أردت إلى أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقتك؟ "، فأنزل الله تعالى "إذا جاءك المنافقون" فبعث إلي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقرأ فقال: إن الله قد صدقك يا زيد)
وكون النبي يستدعي الأطراف ويحقق معهم، فهذا يعني أن هذه الآية دليل على المساءلة والتحقيق في الأقوال المخالفة للشريعة، وليست دليلاً على حرية الكفر، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لما أنكروا عاملهم بظاهرهم.
٩ - الآية التاسعة: يقول الكاتب: بل ويكفُرُون بموعود الله وحديث رسوله: "وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورا")
الجواب: هذه الواقعة لا صلة لها بحرية الرأي المزعومة بل هي مجرد حالة خور في لحظة حرب مفزعة كما ينبئ عن ذلك سياق الآيات قال تعالى (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ** هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ** وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا).
ومن الطبيعي أن لايتخذ النبي صلى الله عليه وسلم أي إجراء عقابي في لحظة الحرب، وهذا نظير ترك الحدود في الغزو الذي رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن ثلاثة من الصحابة عمر وأبي الدرداء وحذيفة، فضلاً عن أنه لم يقم أي دليل على أن هذه العبارة بلغت النبي صلى الله عليه وسلم عن قائل معين، والقرآن نقلها عن غير معين كما هي عادة القرآن في أفعال المنافقين.
الجواب: هذه الآية حكى الله فيها مقالتين، المقالة الأولى "يا أهل يثرب لامقام لكم فارجعو" وفيها وجهان أن أوس بن قيظي قالها لقومه، والثانية أن اليهود قالوها لعبد الله بن أبي، وعلى كلا الوجهين لم تستوف شروط العقوبة الشرعية، ومع ذلك فالقرآن حكى هذه المقالة عن غير معين. وأما المقالة الثانية فهي "ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة" وهذا استئذان للنبي لاصلة له بموضوع الحرية.