للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١١ - الآية الحادية عشرة: يقول الكاتب (وكانوا أشحة على الخير، ويقذفون الصحابة بألسنة حِداد: (أشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ).

الجواب: أكثر أهل التفسير على أن قوله تعالى "سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير" أي معناها الإلحاح بالكلام المستكره طلباً للغنيمة، وقيل في معناها أقوال أخرى، لكنها على كل الأحوال إذا وصلت إلى القذف، فالقذف له عقوبته الشرعية، فأما إن كان الكاتب يظن أن السلق هنا يصل للقذف وعطل الشارع حد القذف فهذا ضرب للنصوص ببعضها.

هذا مايتعلق بالجواب عن أعيان الآيات التي احتجوا بها آيةً آية.

والحقيقة أنني مكثت مرةً أتأمل: لماذا يفصل أصحاب هذا الطرح بين الحرية السلوكية والحرية العقدية؟ فتجد أكثر حديثهم عن الحرية العقدية، فيرون الحرية للكفر والزندقة والنفاق، لكن لو قلت لهم: هل هذه الحرية مكفولة لمن يزني ويشرب الخمر؟ قالوا لا!. فكنت أتساءل وأقول: كيف يصبح المرتد مكفول الحرية، والزاني وشارب الخمر يعاقب؟ إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم أتاح الحرية للردة كما يقررون، فما دون الردة من الجرائم أولى بالحرية!

فانظر كيف أن هذه الطوائف الفكرية المتعلقة بشبهة حرية المنافقين خالفت أهل السنة في أصول العقوبات الشرعية، كل ذلك في شبهة واحدة فقط من شبهاتهم، فكيف لو تتبع الباحث بقية شبهاتهم في أصول التلقي والاستدلال والموقف من المخالف ومنزلة الدنيا وأحكام المرأة ومنهج الفتيا وفقه السياسة الشرعية ونحو ذلك، ثم يأتونك مستغربين ويقولون: لماذا تجعلوننا مخالفين لأهل السنة؟ يالله العجب كيف لاتبصر العيون كل هذه الانشقاقات عن مذهب أهل السنة والجماعة؟!

وكون هؤلاء وافقوا أهل السنة في بقية أصول السنة هذا لا يمنع كونهم من أصحاب المحدثات، فإن كثيراً من القدرية (المنكرين لكون الله يقدّر المعاصي كوناً) وافقوا أهل السنة في بقية أصول الإيمان كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وفي تقدير الطاعات والصحابة ونحو ذلك، ولكنهم خالفوا أهل السنة في جزء من القدر وهو تقدير المعاصي، ومع ذلك عدهم السلف من أهل الأهواء وأهل البدع وأهل المحدثات في دين الله، وهكذا فإن هذه الطوائف الفكرية برغم كونها وافقت أهل السنة في بعض أصول الدين، لكنها خالفت أهل السنة في عدة أصول من أصول التلقي والاستدلال وبعض الأصول التشريعية، وهذه العقوبات الشرعية التي أنكروها مجرد نموذج لذلك، فهم أهل إحداث وابتداع في دين الله، وأهل أهواء.

وبعض هؤلاء الذين يحتجون بهذه الشبهة يقولون إذا اختار المجتمع هذه العقوبات الشرعية فيجب تطبيقها، يظنون بذلك أنهم يتخلصون من شناعة قولهم، وماعلموا أن هذا أفظع شناعة، فإن هذه العقوبات الشرعية حين أتت بكتاب الله وسنة نبيه ردوها واستثقلوها ورأوا أن فيها تقييداً للحرية وضيق أفق، وحين أقرها المجتمع التزموا بها، فصار تشريع الشعب فوق تشريع الله ورسوله، وهذا هو مؤدى مفهوم الديمقراطية الذي حذر منه الربانيون من أهل العلم، وقد كان الديمقراطيون ينكرونه نظرياً لكنهم الآن يعلنونه عملياً، أعني كون مصدر التشريع هو الشعب وليس رب الشعوب سبحانه وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>