بدل الخلو، هل الشيك قبض؟، بيع الاسم التجاري، الموت الدماغي، تعذر الحصول على تصريح للحج هل يستقر الوجوب في ذمته فيحج عنه من تركته؟، استعمال المنظفات المعطرة للمحرم، لبس الكمامات للمحرم، تعذر المبيت بمنى ليالي التشريق، حكم استثمار أموال الزكاة من قبل المؤسسات الخيرية، زكاة مكافأة نهاية الخدمة، زكاة الحقوق المعنوية، ومن مفطرات الصيام التي اختلف فيها الفقهاء المعصرون: التبرع بالدم، بخاخ الربو، أقراص الأدوية أسفل اللسان، منظار المعدة، قطرة الأنف وقطرة العين، تخدير المريض باستنشاق الغاز، الحقن المغذية والعلاجية، السفر بالطائرة بعد غروب الشمس بحيث تظهر له مرة أخرى فهل يمسك الصائم أم لا؟ الخ
وما مضى هي مجرد نماذج لآلاف المسائل الشرعية التي يختلف فيها طلبة العلم الشرعي عندنا أخذاً ورداً ونقاشاً واستدلالاً واعتراضاً، ومع ذلك لا ينكر فيها على المخالف، بل بقيت بينهم أخلاق الأخوة والعلم، فكيف يفتري هؤلاء على أهل السنة ومتبعي منهج السلف أنهم لايقبلون الخلاف في المسائل الاجتهادية؟!
بل لقد حضرت في الرياض -عمرها الله بطاعته- عدة ندوات فقهية أقامها الناشطون الفقهيون حول البطاقات الإئتمانية ومسائل زكاة الصناديق الاستثمارية ونحوها من مسائل المعاملات المالية، وفي كل هذه الندوات -بلا استثناء- كان الفقهاء الشباب يختلفون ويتناقشون مع كل احترام وتفهم وتآخي، ولايخرجون من ندوة إلا لموعد ندوة أخرى.
بل وفي شهر محرم من هذا العام عقدت في الرياض ندوة حول مسائل الأسهم وألقى فيها فضيلة الشيخ الفقيه ابوسعد عبدالعزيز الدغيثر ورقة بعنوان (التعويض في سوق الأسهم) وفي مراسلة بيني وبينه قال لي بالحرف الواحد: (والعجيب أن الحضور وصلوا إلى آراء وقناعات تساوي عددهم، فلم يكد يتفق اثنان في مسألة).
وأرجوك أن تلاحظ أن هذه السعة في الاختلاف في الاجتهاديات بين طلبة العلم كلها إلى الآن في مسائل الفقه، أما لو انتقلنا لتصحيح الأحاديث وتضعيفها فسنشهد مظهراً آخر للتسامح في الاجتهاديات، فقد اختلف المشتغلون بالحديث من المعاصرين في تصحيح وتضعيف مئين من الأحاديث، ومع ذلك بقي هذا الاختلاف في دائرة التسامح والحب دام أنه لم يصل لتصحيح شديد الضعف، أو العدوان على أحاديث الصحيحين.
أغلقت بحوث طلبة العلم، وأوقفت ذاكرتي عن استحضار واقع الندوات الفقهية، وأدرت برامج الفتاوى التي يتصدر لها بعض طلبة العلم المعروفين بحسن الفتيا، فشهدت مظهراً آخر للاختلاف في المسائل الاجتهادية، بل لاتكاد تجد مسألة اجتهادية يفتي فيها شيخ معين إلا ووجدت شيخاً آخر يفتي بخلافه.
بل من الطريف أنني رأيت الناس كثيري التبرم باختلاف شيوخنا في الفتيا في المسائل الاجتهادية، ويسرُّ إليك كثير من الناس بأنه يقع في الحيرة بسبب اختلاف المشايخ في الفتيا في المسائل الاجتهادية، ومع كثرة اختلاف شيوخنا وطلبة العلم عندنا في الفتيا في المسائل الاجتهادية لم نرهم أقامو حرباً على بعضهم، ولا شنعوا على بعضهم في مثل هذه المسائل .. ومع ذلك تأتي هذه الطوائف الفكرية وتقول أنتم مؤدلجون تريدون الناس يوافقونكم في كل صغيرة وكبيرة، ولاتسمحون بالخلاف في المسائل الاجتهادية! يالله العجب ما أكذب هذه الطوائف الفكرية!
أنا شخصياً لا أجد أي تفسير لما تقوله هذه الطوائف الفكرية عن الخطاب الشرعي لأهل السنة إلا أنه "كذب" محض وشهوة افتراء تعيث بنفوسهم ونقمة على الإسلاميين وطلبة العلم والمتبعين لمنهج السلف تدفعهم لتشويههم بهذا الشكل.