وصنف آخر من هؤلاء المفتين المفتونين شباب دفعهم الحماس والحمية لدين الله على أن تجاوزوا مقام العلماء الربانيين، بل وتنقصوهم ورموهم بالتهم وأطلقوا ألسنتهم بالتكفير والتفسيق، بل واستباحة الدماء دونما تنبه لخطورة ما يقومون به، ثم إن أحدهم حينما تُعرض عليه بعض مسائل الطهارة والصلاة يتوقف عن الفتيا فيها تورعاً، فأي ورع هذا الذي يكفه عن القول في مسائل الطهارة بينما لا يكفه عن الخوض في مسائل الكفر والدماء.
إن الحماس والحمية للدين والغيرة على المحارم والجهاد في سبيل الله ليس مسوغاً لكل أحد أن يتجاوز مقام الفتيا، فيقول على الله بغير علم.
فكم في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من العباد والمجاهدين والغيارى على دين الله، ولكن لم نسمع لأحد منهم فتيا أو قولاً في مسألة من مسائل الدين، وما ذاك إلا لأنهم يعلمون مقام العلم والفتوى وخطورة القول على الله وعلى رسوله بغير علم.
كما أن هناك آداباً وواجبات لا بد للمستفتي أن يتحلى بها، ذكرها أهل العلم من أهم هذه الواجبات أن يحرص إذا نزلت به نازلة على سؤال أهل العلم المعروفين بالدين والورع العالمين بالكتاب والسنة، فإن الفتيا دين كما قال ابن سيرين: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.
وقال يزيد بن هارون:"إن العالم حجتك بينك وبين الله تعالى فانظر من تجعل حجتك بين يدي الله عز وجل ".
وعلى المستفتي أيضاً أن يحذر من الهوى في تتبع زلات العلماء أو رخصهم حسب شهوته وهواه أو أن يضرب أقوالهم بعضها ببعض.
كما على المستفتي أن يوقر العالم ويتأدب معه ويحسن السؤال والاستماع حال سؤاله وجوابه وأن يحفظ لسانه عن الوقيعة في العلماء إذا بدر منهم خطأ عن اجتهاد، وأن يدعوا لهم بالسداد