يقول جندب بن عبد الله:"كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً" أخرجه ابن ماجه.
وصنف آخر من هؤلاء المتجرئين على الفتيا بعض الوعاظ والقصاص الذين يعظون الناس ويذكرونهم بالجنة والنار ويخوفونهم بالله فتجد بعضَ هؤلاء تغرّه نفسه ويقوده جهله إلى القول على الله بغير علم، ومن أسباب فتنته سؤال الجهلة له ظناً منهم أن كل من قام ليعظ الناس أو من تظهر عليه علامات التقوى والورع أنه أهل للفتيا فمع كثرة السائلين يستسهل الجواب ثم يستعذبه حتى يصبح ديدنه فيضل الناس بغير علم.
ومن هذه الأصناف التي جرأت على الفتيا بغير علم قومٌ غرتهم درجاتهم العلمية أو مكانتهم الأدبية والفكرية أو ثقافتهم العامة أو وظيفتهم الإعلامية والصحفية حتى خاضوا غمار الفتيا بقراءتهم لكتاب أو كتابين أو مسألة أو مسألتين، وأخذوا يدندنون ببعض الكلام كحرية الفكر ولا كهنوت في الإسلام وما أشبه ذلك فسولت لهم أنفسهم أحقيتهم في أن يفتوا في دين الله، وأن يبينوا للعامة قضايا الحلال والحرام عبر وسائل الإعلام متجاوزين بذلك حدود الله ومتجاوزين كذلك قضية التخصص التي لطالما قدسوها وليتهم عملوا بها.
إنك لتعجب من بعض الصحفيين والمفكرين في بعض وسائل الإعلام، ما من قضية من قضايا العلم إلا وخاض غمارها، فمرة تجده فقيهاً، ومرة مفسراً، ومرة طبيباً، ومرة محللاً سياسياً أو اقتصادياً، ومرة عالم ذرة، ثم ما إن يسمع بعالم من علماء المسلمين أو فقيهاً من فقهائهم تكلم في السياسة أو في بعض القضايا الاقتصادية إلا ويصب جام غضبه عليه ويسفهه ويدعوه إلى ألا يتجاوز تخصصه، وكأنه يقول بلسان حاله: كل العلوم يجب أن يحترم جنابها فلا يخوض فيها إلا أهلها إلا علم الكتاب والسنة فحماه مستباح لكل أحد، ثم إنك لتعجب مرة أخرى من هؤلاء حين يعيبون على الشباب الأغرار الذين تجرؤوا على الفتيا بالتكفير والتفجير، وتركوا الرجوع لأهل العلم ثم هم يمارسون نفس الدور بالجرأة على الفتيا وعدم الرجوع للعلماء، بل ويصمون علماءنا بالجمود والانغلاق والرجعية.
وصنف آخر من هؤلاء الذين تجرؤوا على مقام الفتوى هم المنافقون العلمانيون الذين لا يرون للإسلام ولا لشريعة رب العالمين حقاً في أن تحكم الناس في جميع شؤون حياتهم، ثم هم مع ذلك حين يكون الحق موافقاً للهوى، يأتيك الواحد منهم مذعناً متبجحاً فيفتي الناس بفتوى توافق ما في نفسه ثم يشنع، بل ويرد على العلماء المخالفين، وحين لا يجد ما يوافق هواه ينقلب على عقبيه ويسخر بشرائع الدين وأخلاقياته، فهم كما قال ربنا سبحانه عنهم وهو أعلم بهم:"وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ"(النور:٤٨ - ٥٠).
وهذا الصنف من المنافقين لم يكتف بنقل فتاوى بعض أهل العلم التي توافق هواه بل تجرأ هو بنفسه على الخوض في كلام الله وكلام رسوله فيرد هذا الحديث ويحرف تلك الآية حتى خرج لنا بعضهم بفقه عجيب يستبيح به موالاة اليهود والنصارى ومحبتهم والخنوع لهم كما يستبيح للمرأة المسلمة خلع حجابها وأن تتبرج بزينتها وتخالط من تشاء، بل وتخلو بمن تشاء.