لقد كانت سياسة أمريكا قبل ثلاثة عقود تتجه إلى المصالحة مع الحكومات التي تتعامل معها، ولا تلتفت إلى الشعوب؛ لأن تعاملها مع الحكومات يحقق لها مصالحها، لكن بعد سقوط من لا يتوقع سقوطهم في ثورات شعبية عارمة -شاه إيران وتشاوشيسكو رومانيا- راجعت أمريكا حساباتها تجاه الشعوب، وكانت تحرص على الاستقرار في الدول التي لها فيها مصالح، وتحاول كسب شعوبها .. وتسويق القيم الأمريكي، وضخها لقنوات الترفيه المجانية، وإنشاء قنوات لها في المنطقة، ودعم القنوات العربية الموالية لها يدل على هذا التوجه؛ بقصد صياغة العقول من جديد، وإمالتها للثقافة الأمريكية أو على الأقل تحييدها عن معارضتها .. ولا يمكن أن تغامر أمريكا بمصالحها لحساب تسويق فكرها كما يدل على ذلك تاريخها وسياستها.
وإذا كان ذلك كذلك فإن مؤسسات الرصد الغربية عامة والأمريكية خاصة إذا رأت الغضب الشعبي عن طريق إغراق الإنترنت بالمقالات المناهضة للتوجه التغريبي في المملكة، ستقدم مصالحها على تسويق فكرها، وتخفف من ضغوطها التغريبية، وتتخلى عن أتباعها، أو تأمرهم بتخفيف حملتهم على الإسلام وعلمائه ودعاته. فالضغط الشعبي عن طريق الكتابة له أثر كبير في تغيير القناعات، وتعطيل المشروعات التغريبية، ودحر من يقوم عليها من المفسدين.
والملاحظ أن العصابة الصحفية حين تتآلب على عالم أو داعية، وتؤلب القوى السياسية الداخلية والخارجية عليه في عشرات المقالات بتنسيق تام، وحملات منظمة تستهدف فيها شخصيات مؤثرة في مقاومة المد التغريبي فإنها تُقدِّم هذا الافتراء للقوى المؤثرة داخلياً وخارجياً على أنه مطالب شعبية لتكميم أفواه المعارضين للمشروع التغريبي وإقصائهم واستئصالهم، وفي ضخ مئات المقالات المناهضة لذلك فضح للصحافة، وإثبات أنها لا تمثل إلا نفسها، بدليل أن الحملة المناهضة لها أقوى بكثير مما تنشره في صحفها ..
إننا -يا معشر القراء والقارئات- نعيش في مرحلة مفصلية لها ما بعدها فإما أن ينجح الليبراليون في تمرير مشروعاتهم وفرضها على الناس بالقوة كما حاولوا في السينما والاختلاط -ولا يزالون- وإما أن يندحر مشروعهم ويسقط تحت الرايات الاحتسابية التي انبرى لها عدد من العلماء الربانيين والدعاة المخلصين لدينهم وأمتهم وبلادهم، والأخيار الذين يؤيدونهم .. والليبراليون مستميتون في استغلال الأوضاع الداخلية والخارجية لتحقيق ما يريدون بأسرع وقت، والمسئولية ليست خاصة بفئة من الناس دون أخرى، بل يجب على المجتمع كله حماية بيضة الإسلام، والمحافظة على سمت المجتمع ومظهره الديني.
ماذا سيقول الصامتون لله تعالى يوم القيامة وهم يستطيعون أن يذبوا عن الإسلام بأقلامهم وألسنتهم؟! وهل ينفعهم ندمهم وأسفهم وأساهم حين تخرج بناتهم عن طوعهم، فيُخلع حجابهن، ويُغرب عقلهن، ويُعتدى على عفافهن وهم لا يملكون حلية تجاههن؟!
ولا يقولن أحد لن يقع ذلك؛ ففي مصر والشام ودول المغرب من المحافظة على الحجاب ومنع الاختلاط، وصلاح المجتمع قبل مئة سنة ما يوازي مجتمعنا الآن، بل ويفوقه، ثم ماذا كان حالهم حين خذل الناس علماءهم ودعاتهم في مقاومة المد التغريبي الذي أفسد دينهم وبيوتهم ونساءهم، ولم يصلح لهم دنياهم؟! فهم في الفقر والحاجة والتخلف يرسفون، وما أشد ضياع الدين والدنيا على الناس، وهو ما يسعى إليه الليبراليون.
ويمكن أن يُعزى صمت الأكثرية إلى أسباب، أهمها:
١ - الخوف من الإرهاب الليبرالي الذي حول الصحافة إلى محارق نازية لمن يقف في وجوههم أو يناقش أفكارهم فيختار كثير من الناس السلامة على المواجهة.